المجلس الوطني الكوردي في سوريا

الحوار الكوردي بين المناظرة والمناصرة..!!

87

للكاتب: عماد برهو

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي والصفحات الزرقاء خبراً مفاده، بأن الناطقة باسم حزب الاتحاد الديمقراطي PYD سما بكداش، والعضوة في وفد أحزاب الوحدة الوطنية PYNK، إلى المفاوضات الكوردية- الكوردية، “طالبت المجلس الوطني الكوردي بمناظرة جماهيرية وأمام وسائل الإعلام، لفتح جميع الملفات المتفق عليها ونقاط الخلاف، و لندع”الشعب الكوردي يحكم بيننا” بحسب كلام بكداش.

تأتي هذه التصريحات في ظل ترقب وانتظار كبيرين من الشارع الكوردي لنتائج هذا الحوار، الذي يشهد حالة من العطالة بسبب توقفه، رغم محاولات الأطراف الكوردية في سوريا استئناف حوارها الذي جرت آخر جولاته في أغسطس 2020، إلا أن ذلك لا يزال يصطدم بتباين أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة، إذ تُعدّ واشنطن الراعي الرئيس للحوار بين كلٍّ من أحزاب الوحدة الوطنية الكوردية التي يقودها حزب “الاتحاد الديمقراطي” من جهة، والمجلس الوطني الكوردي من جهة أخرى.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكيّة قد أكّدت في وقت سابق، أنّها “تدعم الحوار الكُردي الكُردي، وتتطلع إلى استمرار تقدمه”.

وقالت سفارة الولايات المتحدة في دمشق في منشورٍ على صفحتها بموقع فيسبوك “تدعم الولايات المتحدة الحوار الكوردي – الكوردي وتتطلع إلى استمرار تقدمه”.

وأضافت “هذه المناقشات تدعم وتكمّل العمليّة السياسيّة الأوسع بموجب قرار مجلس الأمن 2254 نحو تأمين مستقبل أكثر إشراقاً لجميع السوريين”.

وكذلك، نشرت السفارة منشورها باللغات (العربيّة، الكورديّة، والإنكليزيّة) على صفحاتها الرسميّة على منصات التواصل الاجتماعي.

وكان مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، قد أطلق في أواخر 2019 مبادرة بدء هذا الحوار بهدف توحيد الخطاب السياسي للأحزاب الكوردية في سوريا، بدعم أمريكي وفرنسي.

وانطلق الحوار الكوردي-الكوردي في أبريل/نيسان من العام الماضي، ودخل كل من المجلس الوطني الكوردي في سوريا (ENKS) وأحزاب الوحدة الوطنية الكوردية (PYNK) في مفاوضات حول شكل ونسبة الحكم المحلي في المنطقة، إضافة إلى شكل الوجود العسكري لكلتا الجهتين، ومسائل إدارية واقتصادية أخرى، وقد توصل الطرفان إلى رؤية سياسية مشتركة أُقرّت في منتصف يونيو/ حزيران لعام 2020. بحضور وإشراف مباشرين من نائب المبعوث الأمريكي الخاص للتحالف الدولي، السفير ويليام روباك، والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، الجنرال مظلوم عبدي”، حيث رحبا بالإنجاز كخطوة تاريخية مهمة نحو تفاهم أكبر وتعاون عملي، مما سيفيد الشعب الكردي في سوريا، وكذلك السوريين من جميع المكونات.

بالعودة لموضوع الذهاب إلى مناظرة إعلامية مباشرة بين طرفي الحوار الكوردي- الكوردي، وهل ستكون مفيدة، أم ضارة في سياق تقدم هذه الحوارات..؟ ولمعرفة ذلك، يجب أولا معرفة ما هي المناظرة..؟

المناظرة:

هي شكل من أشكال الخطاب العام وهي عبارة عن مواجهة بلاغية بين متحدثين اثنين أو أكثر حول قضية معينة ضمن وقت محدد. وحسب التعريفات الواردة في القاموس بشكل عام، فإن  فحوى المناظرة نقاش رسمي يدور حول قضية معينة ويتم في جلسة عامة تُقدَّم فيها حجج مُتَعارضة أو مُتصادمة، وغالباً ما تنتهي بتصويت من الجمهور أو لجنة تحكيم حيث يُفْضي هذا التصويت إلى ترجيح كفَّة حجج أحد الطرفين. وبعبارة أخرى فإن المناظرة تقتضي طرح قضية يَتناظر حولها فريقان مُتعارضان، ويُدْعى الفريقُ المؤيد للقضية فريقَ المُوالاة وهو من يؤيد القضية أو الموضوع الذي يُتناظر حوله ويَدْعَمه ويدافع عنه، أمَّا الفريق الذي يُعارض موضوع المناظرة ويُفَنِّد أطروحة فريق الموالاة وحججه فيُدْعى فريق المعارضة. وهكذا، فإن فريق الموالاة يحاول إثبات رأيه الذي يساند موضوع المناظرة بينما يحاول فريق المعارضة أن يُفنده وأن ينفيه. ومن الضروري أن يأخذ فريق الموالاة موقفاً واضحاً تُجاه الموضوع الذي تتناوله المناظرة.

أنواعها..

للمناظرة نوعان هما : الواقعية التي تصور الواقع ، والمتخيلة كمثل المناظرة بين السيف والقلم .

فوائـــد المناظرة:

 

الوصول إلى وضوح الرؤية حول قضية ما لإيجاد قناعة مشتركة حولها.

 

استقصاء جوانب الخلاف ما أمكن حول قضايا معينة.

 

الابتعاد عن الأحكام التجريدية في قضايا الواقع .

 

التعمق في دراسة أبعاد القضية وخلفياتها مما يؤدي إلى شمول النظرة وسعتها.

 

تدريب على أصول الحوار وتنظيم الاختلاف والتأدب بآدابه .

 

قواعد وأسس الجدال والمناظرة :

 

تخلي كلٍ من الفريقين المتناظرين عن التعصب لوجهة نظر سابقة ، وإعلان الاستعداد التام للبحث عن الحقيقة والأخذ بها.

 

تقيد المتناظرين بالقول المهذب البعيد عن الطعن أو التجريح أو السخرية لوجهة نظر الخصم.

 

التزام الطرق الإقناعية الصحيحة ؛ كتقديم الأدلة المثبتة للأمور ، وإثبات صحة النقل لما نقل.

 

عدم التزام المجادل بضد الدعوى التي يحاول إثباتها لئلا يحكم على نفسه برفض دعواه.

 

عدم التعارض والتناقض في الأدلة المقدمة من المجادل.

 

ألا يكون الدليل المقدم من المجادل ترديدا لأصل الدعوى.

 

عدم الطعن في أدلة المجادل إلا ضمن الأمور المبنية على المنطق السليم والقواعد المعترف بها لدى الفريقين .

 

التسليم ابتداء بالقضايا التي تعد من المسلمات والمتفق على صحتها.

 

قبول النتائج التي توصل إليها الأدلة القاطعة والمرجحة .

 

وللمناظرات  ثلاثة شروط:

الأول: أن يجمع بين خصمين متضادين.

والثاني: أن يأتي كل خصم في نصرته لنفسه بأدلة ترفع شأنه وتعلي مقامه فوق خصمه.

والثالث: أن تصاغ المعاني والمراجعات صوغاً لطيفا.

ووفق هذا التعريف للمناظرة، هل قضية الحوار الكوردي- الكوردي تدخل في حيز كونها قضية عامة تصلح حلها بعقد مناظرة بين طرفي الحوار..؟ أم إن هناك موانع وعوائق تقف أمام إجراء هذه المناظرة..؟

التاريخ شهد الكثير من المناظرات، ولعل أبرزها كانت تلك التي عرفت بـ”الزنبور” الدبور” الذي قتل سيبويه”.. المناظرة التي قتلت سيبويه همّا وغمّا !

تقول أحد المصادر إن مناظرة لغوية كانت وراء موت عالم النحو الشهير “سيبويه.”

وتضيف: أن ملابسات جدل لغوي جرى بين “سيبويه” إمام مدرسة النحو في البصرة، و”الكسائي” إمام النحو في الكوفة، مرجحة أن الحق كان في صف “سيبويه”. وأشارت أن هذا الموقف التاريخي كان السبب في وفاة “سيبويه”. وذكرت أن المسألة الخلافية التي دارت بين “سيبويه” و”الكسائي” كانت حول مقولة مفادها: “كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور.

وكان “سيبويه” يرى أن تكملتها تتمثل في “فإذا هو هي”، وليس “فإذا هو إياها”، فيما قال “الكسائي” إن “الوجهين جائزان”.

وتفاصيل هذه القصة جرت في مجلس “يحيى البرمكي” وزير الخليفة العباسي “هارون الرشيد”، وكان “الكسائي” ذا حظوة عندهما، ولما وافقا “الكسائي” انقبض خاطر “سيبويه”، فخرج من بغداد إلى فارس يتوارى من الناس من سوء ما لحقه، ولم يقدر على العودة إلى البصرة، ومات غمًّا هناك في ريعان شبابه.

أما في العصر الحديث، فقد كانت أول هذه المناظرات الناجحة، التي تم إذاعتها على شاشات التليفزيون مثل المناظرة الرئاسية الأمريكية عام 1960 بين المرشحين “جون كينيدي” و”ريتشادر نيكسون”، والتي شاهدها نحو 70 مليون شخص، كانت سببًا في إثارة الرغبة لعقد مثل هذه المناظرات المتلفزة في الدول التي تخضع لنظام حكم برلماني. وغالبًا ما تحظى مناظرات القادة بشعبية لدى الناخبين، الذين قد يتأثر قرارهم بدرجة كبيرة بنتيجة المناظرة. وفي كثير من الأحيان، يحاول القادة استخدام الدعامات (مثل المخططات البيانية أو لافتات كتب عليها شعارات (عبارة)) أثناء إحدى المناظرات لتحقق نجاح بدرجات متفاوتة.

تتحــدد المناظــرة بــأركان وأصــول لخصت فــي ركنيــن، وهمــا:

موضــوع تجري حوله المناظرة، وفريقان يتحاوران حول موضوع المناظرة أحدهم مدعٍ أو ناقــل خبــر، والآخــر معتــرض عليــهُ. فالركن الأول يشترط أن يكون هناك موضوع أو (دعوى)، تنبني عليها المناظرة. وهذا الموضوع يجب أن يكون محدداً وواضحاً لدى المُدعي والمعترض أيضاً. أما الركن الثاني فيشير إلى عنصري المناظرة. وهما: المُدعي والمعترض والعلاقة التفاعلية التي تنشأ بينهما داخل المناظرة. هذا ويجب أن يكون للمناظرة نهاية تتمثل في عجز أحد الجانبين. فــإذا عجــز المدعــي عــن رد اعتــراض المعتــرض، كان المدعــي “مُفحماً” أمــا إذا عجــز المعتــرض عــن تصحيــح اعتراضــه، كان “مُلزماً”.

بشكل عام تشيع المناظرات في البيئات الاجتماعية و السياسية والدينية والتعليمية، وتتفاوت أساليب التناظر بشكل واسع من حيث بنية القضية قيد التداول في المناظرة، والفترة الزمنية المخصصة لخُطَبِ المتحدثين، وطريقة تَسَلسُلِ الحجج التي يُقدِّمها كلا الفريقين.

في الحالة الكوردية..

هل لدينا البيئة الاجتماعية والسياسية والتنفيذية المناسبة لإجراء هكذا مناظرات بين طرفي الحوار الكوردي- الكوردي، وهل لدينا وسيلة إعلامية “محايدة” تجرى خلالها هذه المناظرة المزعومة..؟ علماً أن أحد الإعلاميين الكورد في إحدى القنوات الفضائية الكوردية واسعة الانتشار والمتابعة بين عموم الكورد، قد عرض نفسه وقناته للإشراف على هذه المناظرة المزعومة، أم نكتفي بالشكل الكلاسيكي القديم في أي حوار أو مباحثات بين طرفين سياسيين متناحرين ومتخاصمين في آن معاً، والأيام القادمة ستكشف لنا مدى تقبل مجتمعنا وقواه السياسية لهكذا أفكار ديمقراطية في العمل السياسي، وايصال مواقفه وآرائه وقناعاته إلى الشعب الذي يفترض بأن المبتغى ومصدر وجوده.

أعتقد أننا في حالتنا الكوردية، نحن بأمس الحاجة اليوم إلى عملية “حشد ومناصرة” جماهيرية واسعة من عموم أبناء الشعب الكوردي، ومن باقي القوى السياسية الكوردستانية، وعموم القوى الوطنية السورية، خاصة والمنطقة تعيش حالة من الغليان السياسي والعسكري نتيجة التداعيات الكبيرة للأزمة السورية، وحالة من “الانقسام” و”التقاسم” الواضح المعالم، ما بين القوى المحلية المدعومة من قوى خارجية (دولية وإقليمية)، ومحاولات فرض سلطات الأمر الواقع، خاصة بعد إصرار النظام السوري على إجراء انتخابات الرئاسة السورية، بالرغم من التحذيرات الدولية لجهة عدم إجرائها كونها تجرى خارج الاطار الذي وصفه القرار الدولي 2254، والذي ينص في موضوعة الانتخابات أنه “يجب إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة وفق أعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة، ولكي تكون للانتخابات مصداقية، يجب السماح لجميع السوريين بالمشاركة فيها، بمن فيهم السوريون النازحون داخلياً واللاجئون والمغتربون، في بيئة انتخابية آمنة ومحايدة”. بدون توفر تلك العوامل، فإن هذه الانتخابات المزيفة لا تمثل إحراز أي تقدم تجاه التسوية السياسية. بفي جانب آخر، هناك مساعٍ روسية لاستكمال جولات التفاوض والحوار بين “قسد” وحكومة دمشق المتوقفة منذ فترة طويلة، والتي لم تصل إلى أية نتائج تذكر، في محاولة من موسكو لسحب “قسد” من الوصاية الأمريكية، مع أن أمراً كهذا قد لا يتحقق عملياً في نهاية المطاف، غير أن هذه المساعي الروسية ربما تُسهِم في تضييق مساحة الحركة أمام الكرد، وبالتالي قد تقود إلى تعطيل إنتاجية الحوار،حسب الجهات الدولية.

ونحن كـ (كورد)، وباقي مكونات الشعب السوري، علينا توخي الحيطة والحذر تجاه ما يحاك ضد منطقتنا، وإن لم نستغل هذه الفرصة التاريخية لتوحيد الموقف والصف الكوردي بوجود العامل الذاتي والموضوعي، بالإضافة إلى الداعم الدولي، فقد نندم كثيرا على إضاعة هذه الفرصة التاريخية التي قد لا تأتي مرة أخرى.

 

عماد برهو: كاتب وصحفي سوري

(المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها فقط ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع )

التعليقات مغلقة.