المجلس الوطني الكوردي في سوريا

محمود عباس: الأعراب في الجيش الحر..

49

ذو رغال، كان من الأعراب يحمل صفات العروبيين الحاليين ذاتها، ساعد أبرهة الحبشي وجيوشه لتدمير مكة بكعبتها، فأشهر به العرب الأصلاء، إلى أن أصبح يرجم ملعوناً وبشكل متواصل في الحرم المكي، وجعلوا قبره مجمعا للرجم، واليوم أحفاده والمختفون تحت يافطة الجيش الحر، يتقدمون الجيش التركي ويمهدون له الطريق لتدمير ليس فقط منطقة عفرين الكوردية واحتلالها بل تقسيم سوريا وتعميق الصراع وتطويل أمدها.
من المؤسف أن تتحول هذه المجموعات التي كانت تقاتل نظام الأسد حتى البارحة، إلى مرتزقة للإيجار، ويدرجون تحت خانة الأعراب، كالذين وصفهم الرسول الكريم، ونحن هنا نتحدث عن العامة منهم، فالقيادات أصبحت أكثر من معروفة بإنتهازيتها، ونفاقها، وتسييرها لأجندات القوى الإقليمية، وهؤلاء لا يهمهم المبدأ الذي يقاتلون من أجله، ولا يستندون على الإيمان بقضية الشعب السوري، يدفعون بالمحاربين لتلبية متطلبات من يدفع الأكثر، حتى ولو كانت ضد الفصائل المنتمية إليها سابقاً، متناسين أن منطقة عفرين الكوردية والمعرضة للقصف التركي، تحتضن أهاليهم، وما لا يقل عن مليون ونصف مهاجر سوري هارب من مجازر سلطة الأسد وخيانة الفصائل المعارضة الإسلامية العروبية، وهم يعيشون اليوم بسلام وأمان في المنطقة الكوردية، واعتداء الجيش التركي المدعوم منهم سيؤدي إلى تشريدهم ثانية دون رحمة، وهجرة معاكسة، أي بالعودة إلى حيث جهنم السلطة، كما ويتغاضون عن المآسي التي يعانيها الأن أهلهم في إدلب والغوطة الشرقية، جراء التدمير الممنهج الذي يقوم به العروبيون الأخرون، بشار الأسد وجلاوزته، بمساعدة روسيا مع الصمت التركي، المفروض حمايتهم، حسب اتفاقية أستانة. لقد وصف الكاتب (ماجد ع محمد) في مقاله المنشور في موقع إيلاف تحت عنوان (ما لا يعرفه الملتحون عن عفرين) هذه الحالة بشكل واضح ودقيق، وبمثال معقول وغريب.
على الأغلب لا يتقبل العربي أن يكون، بشار الأسد ووالده المقبور، وصدام حسين والقذافي، وغيرهم من الزعماء العروبيين المجرمين ومن اتبعوهم، وجماعات الأنظمة الإسلامية العروبية التكفيرية، عرباً، ولا القوى المدرجة نفسها تحت صفة المعارضة العربية، ومنها السورية، السياسية أو العسكرية، والتي لا تقل تدميرا وخيانة للشعب والوطن من السلطات الحاكمة. فلا أخلاقهم تعكس الأخلاق العربية، ولا أفعالهم ترشد إلى ذلك، ونحن لا نتحدث عن قيم وأخلاق القبائل البدوية الجاهلة الغازية، بل عن الذي كانوا يتصفون بالكرم والنخوة ومناصرة الضعيف، ومساعدة الملهوف، والتآخي مع الأخرين دون الطمع في ماله وسبي عرضه.
مثلما فتح بشار الأسد أبواب سوريا لمرتزقة إيران بكل أسمائها، ولجنود بوتين بانتهاك حرمة الوطن، وقتل الشعب السوري، فكذلك أغلبية زعماء المعارضة العربية، استقدمت مرتزقة من جميع أطراف العالم، واليوم يلعبون دور ذو رغال الإعرابي الخائن، ويرشدون قوات أردوغان للتغلغل في الجغرافية السورية، في الوقت الذي كانوا حتى قبل فترة ضد التدخل الخارجي، متناسين أنهم بخيانتهم هذه، وأي كانت المبررات، يجلبون الاستعمار العثماني إلى سوريا ثانية، والذي سيدوم إلى سنوات ولربما عقود، إن لم يكن استقطاع نهائي لجغرافية جنوب غربي كردستان من سوريا، وضمها إلى شمالها الكوردستاني المحتل تركيا، مثلما يفعلها بشار الأسد في الطرف الأخر ويقدم جزء من سوريا إلى الإمبراطورية الصفوية الشيعية، وبقع متفرقة كهدية لروسيا على خدماتها في الحفاظ على سلطته.
لو تركنا البعد الوطني، وحرصنا على وحدة الجغرافية السورية المتشكلة بدون رغبة جميع الأطراف، ومن بينهم الكورد والعرب، باستثناء العروبيون وأعراب اليوم، الذين لا وطن لهم ألا من خلال المصلحة الأنانية، لوجدنا أن الاجتياح التركي بأمر من أردوغانها، واحتلاله لقسم من سوريا، تجزئة مباشرة للجغرافية السورية المصطنعة في بدايات القرن الماضي، فقد يكون انتصارا عسكري ولربما سياسي على المدى القصير، ولنقل لربما لعقد من الزمن، لكنها ستجلب لتركيا الكارثة، في حال استمر احتلاله للمنطقة الكوردية، وهو ما تتبين من خلا تصريح أردوغان الأخير، أنه سيبقى فيها إلى أن يعيد جميع المهاجرين السوريين إليها، وهذه العودة تتطلب سنوات من العمل ويحتاج إلى مساعدات دولية ضخمة. ومن جهة أخرى لم ينتبه أردوغان أنه باجتياحه السابق والحالي حدد جغرافية المنطقة الكوردية، وتوضحت على أنها تمتد حتى البحر المتوسط ماراً بشمال إدلب، وذلك بتجزئة عفرين عن البحر، مثلما جزء ما بين الجزيرة وعفرين، وهو هنا باستمرارية احتلاله للمنطقة وضمها مستقبلا لتركيا، كما تتبين من خلال تصريحاته المتضاربة، سيعيد الجزء الجنوب الغربي الكوردستاني إلى أصله دون أن يدرك بأنه يوحد طرفي كوردستان.
العملية العسكرية التركية، مؤامرة إقليمية، تندرج ضمن صراع استراتيجي دولي بين أمريكا وروسيا، بدأت عندما أرادت إيران إضعاف جنوب كوردستان، وتقوية سلطة بغداد الشيعية المركزية، حينها حصلت على موافقة مباشرة من تركيا، وعلى أثرها ظهرت زيارات عديدة للوفود العسكرية والسياسية بين طهران وأنقرة، سبقت مرحلة البدء بتصعيد لهجة التهديد المباشر والواضح من حكومة بغداد لحكومة الإقليم، رافقها تصعيد الضغط الإيراني مع التهديد العسكري، حتى قبل الاستفتاء، وقبل بدء القوات العراقية المركزية والحشد الشعبي بالهجوم على كركوك والمناطق الكوردية الأخرى، والمدرجة تحت صفة المناطق المتنازعة عليها، كانت تركيا قد أنهت مهمتها، والواجبات المترتبة عليها، ومنها إغلاق المعابر الحدودية، وأجوائها على الطيران الكوردستاني. والأن في عملية عفرين يتكرر السيناريو نفسه، فقط مع تبديل الأدوار، تركيا أصبحت المهاجمة تتقدمهم الأعراب من فلول داعش الفارين من الرقة ودير الزور والموصل، مع مجموعات من التكفيرين الإسلاميين الذين كان يدربهم تركيا لهذه المهمة، تحت أسم الجيش الحر، مع تغيير تسمية درع الفرات إلى غصن الزيتون، الاسم الذي فيه إهانة للبشرية والمنظمات العالمية للسلام، والتي شعاراتها أغصان الزيتون. الاجتياح التركي مسنود بالدعم الدبلوماسي الإيراني، غير المعلن، مع احتجاجات وهمية على الإعلام للتمويه، وهذه الصمت السياسي تعني التأييد الإيراني للموافقة الروسية لمجريات الخطة التركية، ولا شك هنا لا صوت لسلطة بشار الأسد.
كان المتوقع سابقا، في جنوب كوردستان أن يكون هناك موقف دولي معارض، على الأقل الأمريكي والأوروبي، لكن تبينت أن الدراسة الكوردية كانت ضحلة، فلم ندرك ثقلنا الحقيقي عند الدول الكبرى مقارنة بالدول الإقليمية المحتلة لكوردستان، وهو ما يحصل الأن في جنوب غربه، وهنا تظل منطق الاعتماد على الذات، في الوقت الذي يسود فيه الذات الكوردية التشتت والتبعية للجهات الإقليمية والدولية، وهؤلاء استطاعوا من توسيع الشرخ بيننا لدرجة لم يعد من السهل ترمميه، حتى ولو كانت هناك نية فسنحتاج إلى فترة زمنية غير قصيرة. خاصة وأن مجريات الأحداث من التسارع بحيث لم يعد هناك من فائدة لمؤتمرات توافقية، بل المطلوب هو أن يقوم كل طرف من جانبه بما يتطلب منه أمام هذه المواقف القومية، لتتوضح للإعداء قبل الطرف الكوردي الأخر النية الصادقة في العمل معا رغم الخلافات الفكرية.
نسمع من هنا وهناك أصوات عربية أصيلة، تناجي المنظمات العروبية المنحرفة العودة إلى رشدها، والتخلي عن أسلوب الأعراب والارتزاق، المشابه لمنطق الغزو، وعدم اتباع القادة العروبيين، والعودة إلى الأصالة العربية، حيث المحبة والتآخي مع الشعوب الأخرى، وتقبل الأخر، وعدم أحياء روح رغال الإعرابي ثانية، بتنفيذ المخططات الإقليمية وأجنداتهم، أو مساعدتهم بانتهاك حرمة الوطن، لكن وللأسف أصوات هؤلاء، حتى الأن، أضعف من أن تحيد الشريحة الواسعة من المرتزقة وتجار الحروب عن مخططاتها.
أجداد العروبيين الحاليين، وعلى مر التاريخ، دفعوا بالشعوب الأخرى المسلمة أو غيرها على حمل رايات الشعوبية ضد سلطاتهم رغم غطاء الشرعية الإسلامية التي كانوا يحتمون تحتها، وذلك على خلفية استغلالهم الدين كمطية لحصر الحكم بأيديهم، واستبدادهم بعنصرية السيد والموالي، لينتج عنه كره لكل ما هو عربي، وهو ما أنتظره العرو بيون الأوائل لاستخدامها كحجة لإقامة المجازر بحق الشعوب التي وقفت في وجههم، مثلما يفعلها اليوم الأنظمة الإقليمية والبعض من العروبية، لإجبار الشعب الكوردي بالوقوف في وجههم، مدافعا ليس فقط عن ذاته المتهمة بالانفصالي، والشعوبي، أو العنصري، وغيرها من التلفيقات، بل نيابة عن معظم شعوب المنطقة ومن بينهم العرب، خاصة الذين التجأوا إلى المناطق الكوردية هاربين من الحرب الأهلية وبشائعها.
يضطر الكورد اليوم على مواجهة السلطات الإقليمية، ومنها التركية والإيرانية بألتها العسكرية الضخمة، والمستخدمتين القوى العروبية أدوات لتمرير أجنداتها، كداعش والنصرة المختفون تحت عباءة الجيش الحر، والإتلاف العربي السوري، وتوابعه من المعارضة السورية المتحولة إلى مرتزقة تحت الطلب، والجيش الشعبي. وهنا فالكورد أمام معضلة مصيرية في عفرين، وهذه تعتمد إلى حد ما على التوافقات الدولية، ونعني أمريكا وروسيا، إما مصيرها ستكون كمأثرة كوباني الخالدة، أو أنها ستدخل التاريخ كوصمة عار في جبين الدولتين، بعد أن تصبح مقبرة للأعراب وضباط أردوغان.
المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبها وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع

التعليقات مغلقة.