المجلس الوطني الكوردي في سوريا

أحزاننا الخضراء في زمن الكورونا..

79

” أحزاننا الخضراء في زمن الكورونا ”

كيف أستطيع نسيان ما قالته الحياة لي يوماً؟

وكأن الصداع يقيم حفلا في رأسي ، يتسللُ الانهيار نحوي مِثل الأفعى !!

هكذا هي الحال في أوج نهوض الجائحة التي تحيط بنا من الجهات الأربع، حيث ما كنت لأترك نفسي كفريسة سهلة لأي كان و في أي زمان و مكان، أقاوم اليمين و اليسار ، أغطس في مياه هذا الزمن، أتوقف في عُمقه عنوة، أمسح مرآة حزني ، و أخيط أكياس عمري كي لا يتسرب هذا الحزن عبر باب أحد .

 

ألا أنني على ما يبدو أتغلب على نفسي فقط ، أجرحُ ما تبقى مِن جلد وجهي المتفتت نحو العدم ، هكذا هي حال من يفكر بهذا الطاعون ، لذلك تعالوا و ليكتب كُلٌّ مِنا قصة حياته قبل و بعد هذا الطاعون

دون تزييف و كذب،

لنتحلى قليلاً بالجرأة

 

الإنسان مجرد ذكرى عابرة ، فلن نحزن على أحد ، كلها أيامٌ معدودات وكُل منا يعود و يمارس طقوس حياته و شهواته و ملذاته.

 

عندما يقول لكَ أحدهم :

لن أحزن عليكَ سوى بضعة أيام ، حينها لتعلم أن هذه الحياة مازالت بخير ، و فيها شيء مطاطيٌّ نحو جذر السماء الأحدب.

هكذا تسير الخفافيش في عتمة الليل، و هكذا تكتب العيون لغة الوداع الأخير

شخصيا بقيت لأكثر من ثلاثة أيام دون طعام أو سجائر أحياناً ، و هنا في ألمانيا أتذكرُ أنني مشيتُ في منتصف الليل لأكثر من ثلاثين كيلو متر، سيرًا على هذه الأقدام التي أصابها مؤخرا طاعون الديسك، ووصلتُ فجرًا ، و لم ألبث إلا و أن غصت في نوم عميق تحت تلك الشجرة، و لم أكن أشعر بشيء من شدة الألم ، نمت مراتٍ عديدة بلا طعام ، و في غفلة من كياني و نبض قلبي، قذفوني في كامب للرجال ، بقيتُ فيه أسوأ أيام عمري ، حقيقة الأمر أنني لا أعلم كيف أبدأ الحكاية ، و لكنها على ما يبدو في سطورها الأخيرة

تخيل نفسكَ تحت المطر ، تريد النجاة و تحاول الفرار منه ، فجأة ترى نفسكَ تحت شلال يُسقِط الخناجر على جسدكَ النحيف، يعيدون لكَ الأخطاء و المحسوبيات و كأنك دخيلٌ أو طارىء على هذه الحياة !!

تقفُ و أنتَ في حيرة من سِركَ ، مُتسائلا ، متمنياً لو أن طاعون الكورونا قطعة شكولاته لتبلعها في” بلعومكَ” الناشف دون نقاط تفتيش أو رادع يثنيكَ حتى عن القفز من نافذتكَ التي تعلو سطح المبنى المؤلف من طوابق حجرية عدة، تلوح في هواء عمركَ ألف ألف مسخ .

 

هذه هي حقيقة الإنسان العاجز عن فعل الشيء الجديد و الملفت للنظر ، عندما يكون هناك مزيجٌ من اللا توافق فيما فعلته لأجل أحد أو ما ستفعله لاحقاً ، حقيقة الأمر يجب ألا تتفاجأ بِردات الأفعال، ما أفعله هو أنني فقط أقرض الأفعال المؤلمة، الكلمات القاتلة، و عليكَ أن تكون رجلا إلكترونيا تعيش على Remote Control و هي التحكم بكَ كيفما أراد هذا الزمن .

 

على ما يبدو أنني في حجر عام ، يجتاز عنوان الصحة و مآخذها الفضفاضة. حجر العواطف و الأحاسيس و المشاعر ، و لذة البقاء مِن العدم المتخم باللاشيء ، المنسوف بردًا ، و المجهول المفترس ، حجر النظر بالعين المجردة ، حجر الإحساس بالشم و السمع المرتهن ببياض أفخاذ الشعوذة و السحر الأفّاق ، و السقوطِ و المسخ المشحون عبر بالوناتٍ معدنية مركونة على رصيفٍ ساخنٍ ممتلئ بالبصل اليابس و أوراق النعناع المسروق.

لا أشعر بنفسي فكيف لي الشعور بمن حولي ؟

كيف نقرأ الإنسان الذي ينعدم حِسُ الشعور لديه ؟

الضغط النفسي وحده كفيلْ بأن يجعل منكَ قالبا إسمنتيا متحركا ، و كمية أوراق البريد المتعثر أمامكَ مثل رائحة العقارب ، و عجزك اللغوي في فكَ الشيفرة المُبرمجة ضدكَ زورا و بهتانا ، و أشياءٌ كثيرة لا يمكن ترجمتها عبر هذه الكلمات المصابة بداء الكورونا

 

هل سنعيش من جديد ، و نبحث عن أنفسنا بكل جدية ؟

لستُ مِن أبناء المدن المتخمة بالنبلاء ، و لستُ ممن كان لديه إسطبلات للجياد ، و لم يسنح لي هذا الزمن أن أكون يوما مثلهم ، هكذا تفترُّ السنين بين أصابع الله ، و تصب مياه مراراتها على أكواخنا الترابية في تلك القرى ، و بين تلك البساتين ينبتُ عشبٌ و يموت طيرٌ ، و تقفزُ سحلية على ساقٍ وردة حمراء وهي بين يديَّ عاشق ينتظر بداية أحزانه الخضراء

كُن طريا مثل ورقة توت بري ، أو قضمة إجاصة مسروقة

حينها ستنتهي اللعبة

التعليقات مغلقة.