المجلس الوطني الكوردي في سوريا

مأدبة السليمانية والطبخة المحترقة

85

عماد برهو*
بالتزامن مع الجولة الأوربية لرئيس إقليم كوردستان مسعود بارزاني والوفد الكوردستاني المرافق له والذي يتشكل من القوى والأحزاب الكردية وبقية المكونات القومية والدينية في إقليم كوردستان، في مسعى لاقناعها بمشروعية إجراء الاستفتاء على استقلال كوردستان المزمع إجراؤه في الخامس والعشرون من سبتمبر/أيلول المقبل، وفي خضم ردّات الفعل السلبية الايرانية والتركية وحكومة بغداد، التي تريد إجهاض أي مشروع يفضي إلى تقرير حق المصير للشعب الكوردي بعد قرن من الحيف التاريخي الذي حاق بهم، دعت منظمة المؤتمر الوطني الكوردستاني KNK الأحزاب الكوردستانية المنضوية تحت إدارتها، أو القريبة منها، بالاضافة الى بعض الأحزاب التي تسعى لحجز مقعد لها على الساحة السياسية، للقاء تشاوري في مدينة السليمانية بإقليم كوردستان يومي 15- 16/ تموز 2017، بغياب الكثير من الأحزاب الكوردستانية في عموم أجزاء كوردستان، أبرزها الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه رئيس اقليم كوردستان مسعود بارزاني.
هذا اللقاء التشاوري الذي مهد له KNK بتشكيل لجنة للتواصل مع الأحزاب الكوردستانية، والطلب منها المشاركة في فعاليات هذا اللقاء، في ظل استمرار منظومة الـ PKK وجناحه السوري PYD بسياسة الاستفراد والإقصاء وفرض القوة والايدولوجيا الحزبية في كانتوناته التي أعلنها في خضم المعمعة السورية، واستمرارها باعتقال المناضلين السياسيين والنشطاء والإعلاميين، وإغلاق المقرات الحزبية، وفرض التجنيد الإجباري على الشباب الكورد للقتال خارج المناطق الكوردية، وجعلهم قرابين لحروبهم الدونكيشوتية التي لن تنتهي، وسياستهم الديماغوجية التي لا تخدم المصالح والتطلعات الكوردية، وتساهم عبر سياساتها المتخبطة كفرض التجنيد الاجباري وفرض التعليم بمناهج خاصة وغيرها في إفراغ المناطق الكوردية من الكورد، وتشكُّل واقع ديمغرافي لصالح المكونات الأخرى على حساب الكورد.
لا يخفى على كل ذي بصيرة أن هذا التوقيت لعقد مثل هكذا اجتماع تشاوري تحضيري يمهّد لـ (المؤتمر القومي الكوردي)، يهدف بالدرجة الأولى للتشويش على الاستحقاق الكوردستاني في إقليم كوردستان، الذي يسير بخطوات حثيثة نحو اجراء الاستفتاء على استقلال الإقليم، ويهدف إلى افراغه من مضمونه ، بالإضافة الى المساهمة في زيادة حدّة الشرخ والتصدع في البيت الكوردي الواحد، مع العلم أن عقد ذلك الإجتماع يتزامن مع زيارة وفد إيراني برئاسة القنصل الايراني في العراق لحزب الاتحاد الوطني الكوردستاني لمناقشة موضوع الاستفتاء والتمهيد للزيارة المرتقبة لأعضاء بارزين في الحزب لطهران بناءً على طلب النظام الإيراني!
كما أن بعض أطراف هذا الإجتماع لم يأل جهدًا في التهجم على مشروع الاستفتاء والاستقلال والعمل على إجهاضه، وتسخير الاعلام لتخويف الناس من تداعياته المفترضة، على أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى أبعد من ذلك وما جسدته عملياً المظاهرة الاحتجاجية التي دعت اليها حركة التغيير (كوران) خلال زيارة الرئيس بارزاني الى بلجيكا، واطلاق الشعارات المضادة لاجراء الاستفتاء لهو أكبر مثال على أن هذا الاجتماع لا يعني إلا محاولة للعبث والتشويش على هذا الاستحقاق.
لقد تغافل منظموا هذا الاجتماع -كشيء بديهي- من أن يضعوا العلم الكوردستاني في لقاء من المفترض أنه يحفل بمنظري وساسة الفكر القومي، وهذه سقطة لا يمكن فهمها أو تفسيرها او تبريرها أو وضعها إلا تحت سياق الاستخفاف بالمشروع القومي، والأنكى أن الإجتماع تمّ بغياب الأحزاب الكوردستانية المؤثرة والفاعلة والمعنية بشكل رئيسي بعقد المؤتمر القومي .
ليس بعيدا عن اجتماعات السليمانية التشاوري، وأمام باب القاعة تماما، تظاهر العشرات من اللاجئين الكورد السوريين المقيمين في مدينة السليمانية في خطوة (رمزية) للتعبير عن احتجاجهم من عقد هذا الاجتماع الحزبي بغياب الكثير من الأحزاب الكوردستانية، وايصال رسالة للمجتمعين بالداخل بضرورة كبح جماح حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ومسلحيه، ووقف ممارساتهم الإرهابية تجاه أبناء الشعب الكوردي في كوردستان سوريا وحركته السياسية، والكف عن سياسة الاعتقال والخطف والتهجير بحقهم، والعودة الى الحاضنة الكوردية الحقيقية، وتعبيراً عن تمسكهم بعلمهم الكوردستاني كرمز كردي جامع للشعب الكوردي، والحلم الذي يراود كل كوردي في العالم بتحقيق الدولة الكوردية التي يسعى الرئيس مسعود بارزاني والأحزاب الكوردستانية في الإقليم لتحقيقها عبر الاستفتاء المزمع اجراؤه في ال الخامس والعشرون من شهر سبتمبر/ أيلول المقبل.
أسدل الستار على الإجتماع التشاوري ببيان تنميقي يحمل مفاهيم عامة عن الوحدة الوطنية الكوردستانية، بدون الخوض في مواضيع جادة ملحة كان من المفترض تداولها في البيان، ومنها على السبيل المثال عدم الاشارة إلى موضوع الاستفتاء والاستقلال الحدث الأكثر إثارة في الوقت الراهن، وغياب أي حديث عن المصالحة الكردية في غرب كردستان على سبيل المثال، ولا الحديث عن أساليب الاقصاء التي تنتهجها سلطة الأمر الواقع المتمثلة بالـ PYD بحق الكرد في غرب كردستان وبشكل خاص ضد أعضاء ومناصري المجلس الوطني الكوردي..
لقد أنتج سوء التنظيم والإنحياز الظاهر لبعض الجهات على حساب البعض الآخر ارتفاع أصوات تتنصل من مخرجات هذا اللقاء وتصدر بيانات تعفي نفسها من مخرجات اللقاء، متهمة المنظمين باتباع سياسة التهميش والإقصاء، وعدم الأخذ برأي المشاركين، ومن صور هذه التجاوزات أن جُمعت كلمات أربعة أحزاب في كلمة واحد!، وكُلّف أحدهم بإلقاء الكلمة نيابة عن الآخرين دون أخذ رأيهم، أو التعبير عن مواقفهم- بحسب أحد هذه البيانات.
وعوداً على بدء، فقد خرج المجتمعون في لقاء السليمانية وقد أزكمت أنوفهم رائحة طبختهم الفاسدة التي أعدت على عجل، وبدون طهاة يعرفون مكوناتها وطريقة إعدادها.

عماد برهو: كاتب وصحفي كوردي- سوريا

التعليقات مغلقة.