المجلس الوطني الكوردي في سوريا

الدكتور محمود عباس : كوردستان القادمة عامل لتحضر المنطقة ..

67

الدكتور :محمود عباس

لا نحكم على معاملة الشعوب المجاورة، بل على سلطاتها المحتلة لكوردستان، وعلى مواقف شرائح معينة تسود لأمر واقع، ولا نبتذل ثقافاتهم، بل نبحث عن البؤر الفاسدة الملائمة لنمو هذا الكم من التكفيريين والقوميين العنصريين والملغيين للأخر، وننقب عن شروخها التي تخلق البيئة الملائمة لصعود الأنظمة الإجرامية، والتي تعادي بعضها وشعوبها من جهة، وتدفع بمجتمعاتها على كراهية مطالب الشعب الكوردي من جهة أخرى.

الثقافة التي يجب أن تعالج، لإيقاف نمو الأحقاد في بعض حقولها بأسرع من المبادئ الإنسانية، وخاصة الزوايا التي تستمد الأنظمة الإقليمية أفكارها لترسيخ الصور النمطية المعادية للكورد في أذهان شريحة واسعة من شعوبها، وتفرض عليهم نسيان القرون الطويلة من العيش المشترك!

نبحث، وبأمل في تنقيتها من المفاهيم التي فرضت بعضها بشكل أو آخر على شريحة من المجتمع الكوردي، وغيبت عنهم الثقافة الكوردية الأصيلة، وجعلتهم لا يميزون بين الحرية والتبعية، بين النقد المستند على الفكر الحر، والتهجم تحت الإملاءات غير المباشرة، الشريحة التي تقدم حجج القوى الإقليمية المعادية للكورد كتأويلات ذاتية ليس فقط لا تخدم الوطنية، والشعب الكوردي، بل تؤثر سلبا على قادم الشعوب المجاورة، وتخدم السلطات الإقليمية، المحتلة لكردستان والمستبدة على شعوبها.

كما ونتحدث عن البؤر الفاسدة التي تتشرب منها الحركات العنصرية الإقليمية، وتجدها من صلب ثقافتها، وهي التي رسخت فيها نزعة إلغاء الأخر، ومعادة الكورد، ومعارضة حقهم في تقرير مصيرهم، وتحفزهم ليقفوا اليوم ضد الاستفتاء القادم في الإقليم الكوردستاني الجنوبي بتاريخ 25-9-2017م، ويعادون قيام نظام فيدرالي في سوريا القادمة، والفيدرالية الكوردية في جنوب غربي كوردستان.

لا علاقة لهؤلاء بالثقافة الوطنية، والتي يرفعونها كشعار لتمرير معاداتهم لمطالب الكورد، فالثقافة الوطنية هي التي يتحلى بها الشعب الكوردي، وتتبين من خلال محاور عديدة:

  • كتقبلهم للأعداد الغفيرة من المهاجرين في مناطقهم مقارنة بديمغرافية الكورد ومساحة المنطقة، وإمكانياتهم الاقتصادية المدمرة من قبل السلطات الإقليمية، والتي بلغت أعدادهم قرابة مليوني  شخص في جنوب كوردستان، ومليون في المدن الكوردية في جنوب غربي كوردستان، دون أن تحصل إدارتي الإقليمين على أية مساعدات خارجية، وإن حصلت فقد كانت شحيحة وبطرق ملتوية، وذلك مقارنة بدولة أئمة ولاية الفقيه التي لم تستقبل سوى مجموعات من قادة الإرهاب والتكفيريين من سوريا أو العراق وكانت تلك لاستخدامهم في تسعير الحروب، ومثلها دول الخليج وعلى رأسهم السعودية، علما بأنهم قادة الفتن في الدولتين، ومن مسببي الهجرة الكارثية من سوريا والعراق، ومثلهم تركيا المستقبلة قرابة ثلاثة ملايين سوري، لكنها استخدمتهم أدوات لفرض إملاءاتها على الدول الأوروبية، وجعلتهم المطرقة الدائمة الحضور، وبها حصلت على المليارات من الدول العالمية، تحت تهديد تهجيرهم إلى أوربا، وهذه المعاملة الفجة مع العالم الأوروبي ومع المهاجرين بحد ذاتهم، وممانعة دول المجموعة الأولى، نابعة من البؤر الثقافية الإلغائية العدائية المستندة عليها أنظمة هذه الدول، ولا تؤمن بغيرها.
  • الثقافة الوطنية هي التي يستفيد منها الشعوب قبل السلطات والأنظمة، وتساعد المجتمعات المظلومة، ولا تعادي إرادة الشعوب الأخرى لإقامة كيانهم السياسي كما يريدونه، وهي الثقافة التي ستكون ركيزة كوردستان القادمة، لأنها ثقافة الكورد الحقيقية، والمؤدية إلى خلق الحضارة في الشرق، لأن كوردستان ستكون الدولة الأولى في الشرق تؤمن بالأخر، وخير مثال ما ذكره السيد (مسعود بارزاني) رئيس الإقليم الفيدرالي الكوردستاني قبل بدء عملية الاستفتاء، بأنه لا يستبعد احتمالية التعديل في النشيد القومي الكوردستاني وحتى في العلم ليمثلا كلية الشعوب المتواجدة ضمن كوردستان القادمة. هذه المفاهيم والاحتمالات لم تضعها أية دولة في تاريخ الشرق الأوسط، ولم يتطرق إليها أية مجموعة سياسية أو ثقافية باستثناء الكورد، وهي تبين مدى تقبل ثقافة الكورد للأخرين وتحترم حقوقهم وحرية الرأي الآخر.
  • الثقافة الوطنية هي التي دفعت بالاتحاد السوفيتي الاشتراكية والولايات المتحدة وبريطانيا الرأسماليتين بالاشتراك في الدفاع عن شعوبها أثناء الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا النازية واليابان وإيطاليا. وللأسف ليست لها وجود في واقع سلطات الشرق الأوسط الحالية، الفارسية والتركية والعربية، لأن جدلية مفاهيمهم تستند على الفساد والشرور، تضر بشعوبها قبل الشعوب المحتلة كالكورد والأمازيغ والقبط في الشرق.
  • ولأن الكورد يستندون على ثقافة حضارية، قادمة من العمق التاريخي، وستؤدي في حال قيام كوردستان إلى خلق علاقات حضارية بين شعوب المنطقة، وزوال السلطات الشمولية، لذلك فالأنظمة المحتلة لكوردستان وفي أقصى درجات صراعاتهم المذهبية والقومية، لا ينسون كوردستان، ولا تغيب عنهم كوابيسها، تعكس حقول ثقافاتهم التي نتحدث عنها، حيث منابع الأحقاد والكراهية، والتي تفرز بين فينة وأخرى سلطات وأحزاب ومنظمات تكفيرية عنصرية أبشع من سابقاتها.

إلى جانب ما تم ذكره، توجد العديد من الأمثلة التي تعكس البنية الثقافية الحضارية للشعب الكوردي، وستظهر جلية أكثر فيما إذا تمكن المجتمع التخلص من الأوبئة التي زرعتها الأنظمة الاستبدادية بينهم. فحتى المكتسبات الكوردية الحالية، ومطالب حركتهم السياسية والثقافية للمستقبل، ومن خلال أدبياتهم تبين بأنها ليست محصورة بالكورد ومنطقتهم، بل تهم جميع شعوب المنطقة، وتشمل كل الأطراف، وهي ستجلب الفائدة والأمان للشرق الأوسط. وصعود الكورد بحد ذاته عامل فعال لإزالة الهوة بين القوى الإقليمية السنية والشيعية، وتخفيف الضغينة بينهم.

والتاريخ يشهد للكورد خدماتهم الجليلة لشعوب المنطقة، بدءً من تحريرهم لأرض الشرق من الاجتياحات الأوروبية، وصونهم لكرامة المسلمين، إلى اليوم وهم يتبوؤون جبهات الصراع ضد الإرهاب، وخير مثال هي حروبهم ضد داعش. مع ذلك فالسلطات الإقليمية بأنظمتها الشمولية الاستبدادية، تقف بالضد من الصعود الكوردي، وهي بالتالي ضد نهضة شعوبها، وعليه تبقى على عاتق الحركة الكوردستانية، والحركات الوطنية للشعوب الأخرى تنقية الثقافة السائدة من البؤر الفاسدة التي تتغذى منها هذه الأنظمة، ولا بد من العمل معا على إسقاطها، ومساعدة الشعب الكوردي في حقه بتقرير مصيره، لأنها ستكون بداية الدرب لحرية الشعوب الأخرى في المنطقة، وتحررها من أنظمتها الاستبدادية.

ومثلما كان للكورد دورهم الإيجابي في المجالات الإنسانية بين شعوب المنطقة، كتشذيب الأحقاد بين الفرق والملل الإسلامية، والوقوف في وجه المارقة منها في الماضي، ومحاربتها حاضراً، كانت لهم الريادة، إن لم نقل كانوا الوحيدون، في رفع شعار الإخوة بينهم وبين شعوب المنطقة، في الفترة التي كانت السلطات الإقليمية المحتلة لكوردستان تقوم بأبشع الجرائم بحقهم. وللعلم، فالمناداة بالإخوة لم تكن من رهبة، فقد رفعوها في قمة مراحل الصراع والحروب ضد الأنظمة الاستبدادية، ولم يتخلوا عنها في فترات السلام، وعلى مدى نصف القرن الماضي، رغم مناهج الكراهية لمعظم الأحزاب العنصرية، كحزب الشعب والبعث والناصرية والأحزاب القومية التركية، وحزب أئمة ولاية الفقيه، والإخوان المسلمين وغيرهم والمنظمات التكفيرية وسلطاتهم! لأن السلام، وقبول الأخر، جزء رئيس من بنيان ثقافة الكورد، وعليه واستناد على معطيات عديدة لا يستبعد أن تقود كوردستان القادمة شعوب المنطقة إلى الحضارة، وعلى الأغلب ستلعب دورا رياديا في خلق سلام دائم في المنطقة.

مع ذلك ويظل السؤال التالي فارضا ذاته: هل على الكورد أن يبحثوا مثلهم عن مصطلحات للكراهية والعداوة ليفرض احترامه عليهم، ويغير من الصور النمطية المشوهة في أذهانهم عن الكورد وقضيته؟ وهل العلة في الكورد، أم في الأنظمة السائدة؟

المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب و ليس له علاقة بوجهة نظر الموقع

التعليقات مغلقة.