المجلس الوطني الكوردي في سوريا

الدكتور محمود عباس: لنتحرر من رواسبنا ..

54

“بداية كوردستان نهاية الاستبداد في المنطقة”

كان عنوان مقالنا السابق، الجدلية التي لها متطلباتها، ومنها تجميد الخلافات بين أطراف حركتنا الكوردية والكوردستانية، والحفاظ على مكتسباتنا الحالية، وتصعيدها، والتحرر من رواسبنا، فالمخاطر أكثر مما نتوقعها، والمخفي أكثر من الظاهر، والدروب مليئة بالمطبات والحفر، وعلينا أن ندرك أننا بالاستفتاء وحده لن نبلغ الغاية، وقد تجلب العملية بحد ذاتها الكثير من السلبيات، وتزيد من الأعداء، وتبعد الأصدقاء، فالمصالح لها أولوياتها، هذه وغيرها من الإشكاليات المصيرية تدعونا أن نقبل بعضنا، بانتقاداتنا، ونزيد من حواراتنا، فالقادم مرعب بقدر ما هو سعيد، ولا بد من العمل على العامل الذاتي إلى جانب الموضوعي للنجاح، فتاريخنا المليئة بالانكسارات والفشل، يجب أن نراجعها بموضوعية، لنستخرج منها العبر لحاضرنا وقادمنا، والذي هو قادم شعوب منطقتنا بأكمله.
رغم علمنا بأن التغيير يجب أن يتم، مع ذلك بعضنا لا يزال يكتفي برقع من الإصلاح، وندرك أن إصلاح المدمر لا يفيد، والأسباب عديدة،

منها:
1-لأن هوة الخلافات السياسية والثقافية تتوسع، رغم حساسية المرحلة المصيرية هذه، ومعرفتنا لمساوئها، والضعف الذي يلحق بالقضية ومستقبل كوردستان القادمة وبالتالي مستقبل المنطقة، تسعرها الحركة الثقافية بقدر لا تقل عن أحزابنا الكوردية، والكل يدرك مدى ترحيب الأعداء لهذه المعضلة، بل ودور القوى الإقليمية في إثارتها وتوسيعها.
2-عدم تقبلنا النقد، وكثيراً ما يتم الرد بالتلاسن أو التخوين، وهنا نقصد في البعدين الفردي والجمعي، والأحزاب الكوردية، وخاصة المهيمنة أصحاب السلطة، خير من يمثلها، فعداوتنا المقيتة للأخر المعارض أو المختلف فكراً أو سياسية، تجاوزت حدود الإصلاح، وهي من أحد الأسباب التي تضعف موجات التغيير إلى الأفضل بين أطراف الحركة الثقافية والسياسية.
كثيراً ما لا نميز بين النقد والتهجم، إلى أن أصبح من السهل فرز الكوردي المخالف، إلى خانة العمالة والخيانة، فهناك صحفيين وسياسيين في جنوب غربي كوردستان اتهموا جزافاً بالخيانة والعمالة لمجرد الاختلاف في الرأي والنهج، وشريحة من الحركة الثقافية تأذت من هذه السقيمة، ورغم إدراكنا مؤخراً لهذا الوباء، لكننا نادراً ما نتقبل البعض بالأساليب الحضارية. فإلغاء الأخر، والمعاملة الفجة أدت إلى ندرة الحوارات بيننا، رغم توفر الشروط الدولية، فلم يعد يجدي نفعاً النقاشات والطروحات الفردية، والتي أصبحت رائجة خوفاً من الشللية، والتجمعات المنتمية إلى قوى سياسية غير مستقلة.
3-الأحزاب الكوردية والكوردستانية التي كثرت عليها الانتقادات، والتي تدفع بها القوى الإقليمية وبتخطيط، إلى الأخطاء والسلبيات، مستغلين جانب السذاجة الذاتية. ولعنجهية ما نادراً ما تتقبل النقد الذي لا بد منه لتنبيهها إلى حقائق تكاد تكون غائبة عن أغلبية قياداتها، أو أنهم يتناسونها، أو فرضت عليهم تناسيها. وليعلموا، فيما إذا لم يتداركوا وبشراكة مع القوى الكوردية الأخرى بعض القضايا المصيرية وبأسرع وقت ممكن، والمعني هنا حكومة الإقليم الكوردستاني الفيدرالي، ومسؤولي الإدارة الذاتية، فإن القادم من الزمن سيكون وبالاً عليهم، وبالتالي على كل ما حصل عليه الشعب الكوردي من مكتسبات، وهناك من سيدفع بهم التمادي على نهجهم الانفرادي. ومن جملة القضايا الواجب تداركها، أو لربما هي قضية بعدة أوجه:
1-قضية التركيز على التحرر من ثقافة الأنظمة الشمولية، والتي تمجد الأنا. وعدم حصر الكل الكوردستاني في الذات الحزبية، المفهوم الذي جعل معظم أعضاء الأحزاب ومؤيديهم سجناء وأدوات بيد الأطراف الإقليمية، حتى وهم طلقاء، وسيكون من السهل التحرر عند التخلص من الضحالة المعرفية.
2-تسخير القوة الكوردستانية الكامنة بالعمل المشترك، والتحرر من جغرافية المفاهيم السياسية التي حصرتها الأنظمة الشمولية في الأحزاب، وتنمية الحيز الدبلوماسي، وتخفيف أو تأجيل الصراع الداخلي التي تفتعلها السلطات الإقليمية، وتطرحها كأنه صراع على الوطن والقومية، وعليهم أن ينتبهوا إلى أنهم بهذا يطمرون القوة الكوردستانية تحت ركام الخلافات الحزبية.
3-التحرر من الشمولية الاستبدادية، وعليهم الاقتناع، بأنهم لا يمثلون إلا جزء بسيط من هذه الأمة، ولا يعكسون جل مفاهيمها ومطالبها، ومساوئهم هذه في حال عدم تداركها ستكون كارثية في القادم من الزمن، قد تقف عليها مصير الكيان الكوردستاني الحضاري المأمول تحقيقه.
4-عليهم أن يواجهوا الحقيقة التالية، وهي أن ظهورهم على الساحة الداخلية والخارجية، جاءت بهم مصالح القوى الإقليمية قبل الدولية، ونفس المصالح عزلت قوى كوردية وكوردستانية وطنية واعية، لأن سلطات تلك القوى يحتاجون إلى أدوات سهلة التلاعب بمفاهيمهم، وتسخيرهم لامتصاص القوة الكوردستانية الخام، بدفعهم إلى تفضيل المصالح الحزبية على الكوردستانية، وبغطاء من الحنكة على ما يقومون به.
ولا شك أنهم لا يودون الاعتراف بعدم قدرتهم على التحرر من الهيمنة الخارجية، وللتغطية عليها يحاولون إشراك كلية المجتمع الكوردي في خلافاتهم الحزبية، والمؤدية إلى عرقلة مسيرة المكتسبات الكوردستانية. ووجودهم اليوم مشتتين عيان لكل الشارع الكوردي والعالم الخارجي، فيستفيد منها الأعداء، قبل أن يكون وبالاً عليهم وعلى الأمة، مع ذلك يعرضون ذاتهم كممثلين عن الشعب الكوردي وهم أدرى من الجميع بأنها لا تعكس الحقيقة، وإن استمروا على هذا النهج فبماذا سيختلفون عن الأنظمة الإقليمية الشمولية الاستبدادية؟ وما هي المواصفات التي سيتحلون بها لتدفع بالقوى الكبرى أصحاب المصالح في المنطقة بتفضيلهم على القوى الإقليمية المحتلة لكوردستان؟
يتبع تحت عنوان : كردنو قضيتنا واحدة…

المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع 

التعليقات مغلقة.