المجلس الوطني الكوردي في سوريا

رئيس إقليم كردستان يوجِّه رسالة بمناسبة إجراء عملية الإستفتاء

51

وجَّه السيد مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان يوم 26- 9-2016م، رسالة إلى شعب كردستان والرأي العام العالمي، بمناسبة نجاح إستفتاء إستقلال كوردستان، وفيما يلي نص الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم
يا جماهير كوردستان الحبيبة
أيتها الأخوات…أيها الإخوة
أتقدم من أعماق قلبي بجزيل الشكر لكم بكافة ألوانكم وإختلافاتكم، وبجميع أحزابكم ومكوناتكم القومية والدينية.
وأبارك عوائل وذوو الشهداء بمناسبة هذا الإنتصار العظيم، وأطلب منه أن يقفوا كالأبطال مرفوعوا الرأس، وإنني متأكد بأنّ روح شهدائكم ستصبح مرتاحة، وهم باتوا على يقين بأن هذا الإنتصار تحقق بفضل تضحياتهم ودمائهم، وأشكركم جميعا لأنّ توجهكم نحو صناديق الإقتراع وتصويتكم أدى إلى تحويل الإستفتاء إلى عيد، وها قد أظهرتم قوة إرادة شعب كوردستان للعالم وإتخذتم قراركم بالإستقلال .

وأتقدم بجزيل الشكر لبيشمركتنا الأبطال والمؤسسات الأمنية (الآسايش) وقوى الأمن الداخلي لسهرهم المتواصل وحرصهم الشديد على إنجاح هذه العملية .

وأقدم فائق الشكر لسكان المناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم لمشاركتهم الحافلة بالحماسة لإجراء الإستفتاء، وأوجه شكري للجالية الكوردية في الخاريج لدورهم الفعال في دعم الإستفتاء، ونشكر أصدقائنا في كافة أنحاء العالم لتعاطفهم معنا في عملية الإستفتاء، وأرى بأنه من الضروري أن أشكر المجلس الأعلى للإستفتاء والمفوضية العليا للإنتخابات والإستفتاء في كوردستان.

أيتها الأخوات…أيها الإخوة
بالتأكيد ليس هنالك شيئ أحلى وأعظم وأجمل من أن نعلن إنتصار إرادة شعبنا في تحقيق هدفه بتقرير مصيره، وبهذا الصدد نشكر الله العلي القدير لأنه مَنَحَنا هذه الفرصة لكي نرى هذا اليوم بأعيننا، فقد توفي وإستُشهِد قادتنا العظام والآف من شبابنا وفي قلوبهم حسرة أن يشهدوا هذا اليوم، ومن هنا نبعث بالآف التحيات لأرواحهم الطاهرة مؤكدين لهم وفاءنا بالإستمرار على نهجهم .

يا جماهير كوردستان العظيمة …
إنكم بصمودكم لم تسمحوا بكسر إرادتكم اليوم بعدما صوتتم بـ نعم للإستقلال وبـ لا لمزيد من الأنفال والقصف الكيمياوي والقتل الجماعي، إننا الآن نعيش في مرحلة جديدة وإنعطافة تاريخية كبيرة لحاضرنا ولمستقبلنا، وهذا بحد ذاته إنتصار كبير لشعب كوردستان بكافة مكوناته، ونؤكد بأنّ شعب كوردستان لم يرتكب أية جريمة بسبب قراره بإجراء الإستفتاء في الخامس والعشرين من أيلول 2017م، وإنّ هذا القرار لا يخالف أي من المواثيق الدولية، وفي ذات الوقت فإنَّ الدستور العراقي يعطينا الحق لتقرير مصيرنا، فالدستور يقول بكل وضوح: إنّ الإلتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق إتحاده الحر، ومن الواضح بأن بغداد لم تلتزم بهذا الدستور .

وبعد عام 2003م، ذهبنا إلى بغداد وفق مبدأ الإتحاد الإختياري والشراكة، وتم تثبيت هذا الأمر في الدستور العراقي لعام 2005م، ولكن وللأسف لم تلتزم الحكومات بهذا الدستور، وبما أنهم رفضوا الشراكة وخرقوا الدستور بشكل واضح، فبات من حقنا أن نتخذ قرارنا الحاسم، وقد تم إتخاذ هذا القرار فعلا في الخامس والعشرين من أيلول 2017م، وبذلك خطت كوردستان خطوة جديدة ومختلفة عن الخطوات السابقة.

إنني أطلب من الجميع بأن لا يعتب علينا، فنحن فعلنا كل ما بوسعنا لحماية التعايش السلمي وللحفاظ على وحدة العراق، ولكنّ حكومات بغداد لم تقبل محاولاتنا، مما إضطر شعب كوردستان أن يتخذ قرارا كان من المفترض به أن يتخذه منذ زمن طويل.

وبهذه المناسبة أنتهز هذه الفرصة لأوجه رسالة خاصة للحكومة العراقية ولدول الجوار والمجتمع الدولي:
أيها الأصدقاء في الحكومة العراقية :

أتمنى أن تراجعوا بجدية وهدوء تاريخ علاقاتنا وما تعرضنا له خلال سنوات، ورغم كل ذلك أتينا الى بغداد، ولكن هل أخذتم الحقوق الأساسية لشعبنا بعين الإعتبار؟، وهل تعاملتم معنا بوجه بشوش ومتفائل وفيه شيء من الأمل؟، نعم لقد توافقنا منذ البداية حول الدستور والشراكة، وقد لعبت كوردستان دورا مهما في عملية إعادة تأسيس العراق الجديد، ولكنكم أفسدتم جميع الإتفاقيات ونكصتم بالعهود.

أؤكد لكم بأنه لا ضرورة للعصبية وأساليب التهديد، وأقول لكم لوموا أنفسكم، فأنتم من قلتم لنا بتصرفاتكم وسياساتكم: لا نريدكم وصرختم بأعلى أصواتكم إنّ التحالف بين الكورد والشيعة إنتهى .

المطلوب أن تحترموا إرادة شعب كوردستان، إذ ليس من المعقول أن تصفوا أصوات الملايين من المواطنين الكوردستانيين بغير الشرعية؟، وموقفكم هذا هو بعيد عن المنطق والعقلانية، وإن كل شعب في العالم يمنح الشرعية لنفسه ولا يجوز لآخرين أن يمنحوه الشرعية
إنّ لدينا تاريخ طويل ومكتظ بالكثير من المتغيرات والتعرجات، وقد تعرضنا خلالها للكثير من الكوارث، وإن إستمرارنا بالعيش في خضم تجربة فاشلة ليس أمرا جيدا ولن يحقق لنا أي نجاح أو أي تقدم، وأننا لن ننجح في تكرار هذه التجربة ولن تنجحوا أنتم أيضا، ولن ننعم بالراحة ولن ترتاحوا أنتم أيضا، فتعالوا لنبدأ معا حوارا جادا ولنمنح المزيد من الوقت للتباحث والتفاوض والحوار ولنكون جارين إيجابيين، وإننا نعتقد بأن الحوار هو السبيل الوحيد والأمثل للوصول إلى مستقبل أفضل لكلينا، ونحن نؤكد بأن هذا الإستفتاء ليس لفرض الأمر الواقع ولا لترسيم الحدود، بل هو وسيلة مارسها شعب كوردستان ليعبر عن رأيه بكل ديموقراطية وشفافية، وبهذا الصدد أطالبكم مرة أخرى بحل مشاكلنا عن طريق الحوار، وأطلب من السيد حيدر العبادي ومن جميع القوى والأطراف السياسية العراقية وبالأخص من المؤمنين بأن يحتكموا إلى الحوار وأن لا يقفلوا أبواب الحوار لأنّ الحوار وحده هو الحل.

والآن فإنّ أي جزاء يتم فرضه على شعب كوردستان لن يكون أسوأ من الأنفال والقصف الكيمياوي والقتل الجماعي وقطع أرزاق هذا الشعب، ولنأخذ العبرة من الماضي، وفي كل الأحوال سنبقى نؤكد على التآخي بين الكورد والعرب وجميع المكونات، ولا يمكن أن نسمح للخلافات السياسية مع الحكومة بأن تؤثر على روح الأخوة بين الشعوب.

وإنني أقول لدول الجوار
إننا لا نريد إثارة أية مشاكل، ومن الأفضل لهم بأن يكونوا متعاونين معنا، وأن يكون لهم دوراً ايجابياً في حل كافة المشاكل بين الإقليم وبغداد، وأن يصغوا إلى إقليم كوردستان، فهذا هو الطريق الصحيح، ولن يفيد التهديد والوعيد والتصعيد في حل المشاكل، وطوال خمسة وعشرين عاماً أثبتنا بأننا لم نكن عاملاً للتهديد، بل إننا كنا عامل أمن وإستقرار، ونقدّر دوما الدور الإيجابي الذي لعبته إيران وتركيا إبّان الهجرة الجماعية لشعب كوردستان وأثناء عمليات الأنفال والقصف الكيمياوي، ونؤكد اليوم بأنّ التفاهم والحوار هو الطريق الأنسب لحل المشاكل دون اللجوء إلى أساليب التهديد والتصعيد واللهجة القاسية، ونشدد على ضرورة إستمرار علاقات الصداقة بيننا .

إننا نطمئن المجتمع الدولي بأننا منذ الآن مستعدون لبدء مفاوضات ومباحثات جادة لحل المشاكل مع بغداد، ونؤكد بأننا نفضل الخيار السلمي في الحوار مع جميع الأطراف، وهذا ما نؤكد عليه دوما، ونؤكد بأننا سنبقى كجزء مؤثر ومهم في التحالف الدولي للحرب ضد إرهابيي داعش، وفيما يخص النازحين أودّ أن أؤكد للجميع بأنهم إخوتنا وكوردستان هي بلدهم وملاذهم الآمن وسنحافظ عليهم ونحميهم أكثر من أي وقت مضى حتى يقرروا بأنفسهم العودة إلى مناطقهم الأصلية.

ونحن نتعجب كثيرا عندما نرى بأن تتم معاقبة شعب لمجرد أنه عبّر عن رأيه بشكل ديموقراطي، وهل يجوز أن يُكافأ هذا الشعب على تضحياته بالعقاب؟، وكيف يمكن القبول بذلك؟ وهل في هذا السلوك أي عدل؟!.

وبالنسبة لشكل دولة كوردستان ونظامها السياسي، فسيكون هذا الأمر مرهونا بقرار الشعب، ونحن نفضل بأن يكون نظام الحكم في دولتنا المستقلة نظاما برلمانيا فدراليا ديمقراطيا مدنيا، حيث ستسنح للجميع فرصة مثمرة لبناء حكم مثالي تسوده العدالة والمساوات والشفافية والديمقراطية على أساس الثقة والإستفادة من تجارب الماضي وأن تنال ثقة ورضى شعبنا، وسنراعي حقوق ومطالب المكونات القومية والدينية وسنحقق المساواة السياسية والمدنية بين المواطنين، وستكون الوثيقة السياسية التي أقرّها المجلس الأعلى للإستفتاء أساسا لهذا الدستور.

يا جماهير كوردستان الصامدة
إنني طلب منكم بكافة مكوناتكم القومية والدينية بأن تتوحدوا اليوم أكثر من أي وقت مضى، وأن تضعوا كل الإختلافات والصراعات السياسية جانبا، وأن نفتح جميعا صفحة جديدة، ومن الممكن أن نواجه بعض الصعوبات لكنني متأكد بأنّ ثمّة مستقبل مشرق بإنتظارنا، وإن الأهم من كل ذلك هو إن إرادة شعب كوردستان لم تتحطم ولم تنكسر وبتوحيد صفوفنا سنتغلب على العوائق وسننتصر بكل تأكيد، وإن علينا أن نخرج من قالب التحزب وأن نبقى جميعا تحت مظلة الوطن، وإنني أتقدم لكم بكامل الإعتذار عن أي تقصير، وأطلب من الأخوات والإخوة المواطنين وخصوصاً من شبابنا المتحمس للحياة والحرية بأن يراعوا القيم العليا لشعبنا خلال الإحتفال بإعلان نتائج الإستفتاء، وأن يعبِّروا عن فرحتهم بطريقة حضارية وأن لا يلجأوا لإطلاق الأعيرة النارية، وأن لا يتسببوا في زعزعة الهدوء والإستقرار للمواطنين .

وإننا اليوم نستطيع أن ننظر إلى عوائل وذوي شهدائنا ونرى الأمل في نظراتهم وعيونهم، والآن بتنا نعي جيدا كم أنّ بيشمركتنا الأبطال هم أناس أعزاء ، وكم هو عظيم بل هو شرف كبير إسم البيشمركة وروحها النضالية .
وبتنا نعلم الآن بأننا شعب له إرادة
حفظكم الله وحماكم .

التعليقات مغلقة.