المجلس الوطني الكوردي في سوريا

الدكتور محمود عباس: قراءة كوردية في تصريح وزير خارجية أمريكا.

52

رداً على سؤال أحد الصحفيين، قال وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ريكس تيلرسون”بأنه على الميليشيات الإيرانيين العودة إلى ديارهم، خاصة وقد انتهت مهمتهم، بعد انتهاء الحرب على داعش” التصريح الذي أثار ردة فعل وغضب قادة إيران وسياسيي شيعة عراق، ومؤخراً وبعد عودة حيدر العبادي من جولته لعدة دول وعلى رأسها السعودية وتركيا في نهايتها، حدد موقفا من التصريح يميل إلى الموقف الشيعي المعارض، وهو ما أقلقت الحكومة الأمريكية أكثر من الموقف الإيراني والسياسيين الشيعة الأخرين، فأدت إلى تغيير مسار جولات صاحب التصريح، السيد تيلرسون، ليتجه إلى بغداد، بعدما كان من المفروض الذهاب إلى الهند بعد الرياض.

التصريح خلق إشكالية بين السياسيين العراقيين الشيعة بالتحديد، وتكاد أن تفصل بين جماعة حيدر العبادي وتابعي أئمة ولاية الفقيه، وقد متن التصريح من توحيد الموقفين الإيراني والتيار الأخير وأعطاهم زخما، للضغط على حيدر العبادي، ولمواجهة السياسة الأمريكية في المنطقة، وعليه خرجوا بردود مشتركة أو متشابهة ضد وزير خارجية أمريكا، واعتبروه تدخلا سافرا في الشأن الداخلي العراقي.
ولتغاضي هذه المعضلة، دافعت إيران عن موقفها بأنها لا تملك أية قوة ضمن العراق، منفية أن يكون الحشد الشعبي تابعة لها أو لسياستها، ومثلها المنظمات الشيعية الأخرى، موضحة بأنه توجد في العراق فقط 52 مستشارا عسكريا. علما أن الواقع العسكري -السياسي تعكس ذلك، وتبين بأنه لها قوات في كل من سوريا والعراق، لربما ليسوا على مستوى الجنود في العراق لأن العراق لا تنقصها الرجال بقدر ما تحتاج إلى توجيه وإرشادات من قادة المرجعيات الشيعية، والخبراء العسكريين الشيعة، لكنها موجودة في سوريا.
وعلى الأغلب هذا التصريح تشبه القنبلة التي تم تفجيرها في الحقل الشيعي، وعلى أثره سيتم تحديد موقف حيدر العبادي، ولربما مستقبله، والمحسوب كرجل أمريكا على سلطة العراق، أو تحديد الموقف الأمريكي والإيراني منه، ومن سيتمسك به، ومن سيحاول عزله، أو أن إيران مقتنعة بانتمائه للمرجعية وأن السياسة والهيمنة الأمريكية لا تملك قدرة تحريفه عن انتمائه المذهبي وعزله من الكتلة السياسية الشيعية، والتي مرجعيتها النهائية هي قم أو النجف، مع ذلك فبعد هذا الموقف من التصريح، ووضوح تحالفها إعلاميا مع الهلال الشيعي، نكاد أن نضع مصير الحشد الشيعي وبعض قياداتهم كمصير صدام حسين.
وعليه فقد كنا نرجح أن تكون، السماح لهم بمهاجمة كوردستان، كشرك تم دفعهم إليه، ويحتمل أن يندرج معهم حيدر العبادي، بل ولربما القوة الشيعية في العراق ستصبح على المحك في القادم من الزمن، ولكن الاحتمالية ضعفت، بعد الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية، تيلرسون، ولربما غيرت وخلقت توقعات مغايرة، منها: أن أمريكا لربما شعرت بأنها قد تخسر حيدر العبادي، وهي لا تزال غير مقتنعة بأنه الرجل في الأول والأخير شيعي ويتبع المرجعية كمعظم سياسييهم، ولن يصبح أمريكيا إلا للمصلحة الشيعية وأئمة ولاية الفقيه، ولن يتمكن من الحفاظ على التوازن الذي يظهره بين أمريكا وإيران والحلف السني. كما وأن أمريكا انتبهت بأنها لربما أعطت مبررا لإيران أو بالأحرى لروسيا عن طريق إيران وبالتالي بتحريك أداتها المطيعة الحشد الشعبي، في الهيمنة على مقدرات العراق، بصفة القوة العراقية المساندة للقوة العسكرية النظامية، وأنها عراقية ولا إملاءات أو قوات إيرانية ضمنها، وهنا تكون أمريكا قد خسرت موقفاُ أمام إيران، خاصة بعدما فرطت بالقوة الكوردية، للحفاظ على حيدر العبادي، آملاً بتشكيل حلف سني ضمنها الرجل الشيعي رئيس وزراء العراق. عمليا تتبين أن التكتيك الأمريكي في العراق ظهرت بوادر فشلها، رغم كل ما قدمته من دعم لجيش حيدر العبادي، وبوادر نجاح استراتيجية الهلال الشيعي، أي إيران عن طريق أدواتها وعلى رأسهم الحشد الشيعي، ومن وراء الستارة حيدر العبادي، رغم أن إيران تعاني الكثير أمام الجبهات المتعددة، والتي لولا القوى الكبرى التي تدعمها وعلى رأسها روسيا، وبيع نفطها عن طريق العراق، واستغلال موارد العراق، لما تمكنت من الاستمرار.

ولا شك أن إدارة ترامب، وخاصة مستشاري وزارته الخارجية يعلمون أن الحشد الشعبي، تدرب وتوجه من قبل ضباط الإيرانيين أو الذين انتمائهم لأئمة ولاية الفقيه أكثر من واضحة، فلماذا غاضت الطرف عن اشتراكهم مع القوات العراقية النظامية، الشيعية الانتماء، وسمحت لهم مهاجمة كوردستان، وضرب القوة الكوردية التي تعدها أمريكا أحد أصدق حلفائها في المنطقة؟ وكما قال السيد ترامب بأن أمريكا تقاتل معهم الإرهاب منذ سنين، ولكن لم يذكر بالمقابل ماذا سيقدمون للكورد مستقبلا، وهل سيقدمون أية خدمة سياسية مقابل ما قدموه للعالم ضد الإرهاب؟
نحن الكورد مثل الدول السنية العربية في المنطقة، لم ندرس ونحلل سابقا حوارات الإعلام الأمريكي، بدءً من مراكزها الاستراتيجية السياسية، إلى قنواتها الإخبارية كفوكس نيوز وال سي ن ن، لنستنتج الأفضل في ما سنقدم عليه، مثلما لم يقم قادة الحركة الكوردستانية على قراءة صحيحة لتصريحات المسؤولين الكبار في الدول الكبرى، والتي أصبحت واضحة الأن بعد خسارة الإقليم، المتبينة أن الكورد لا يمثلون بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة أكثر من أجير يقودهم وحلفائهم في المنطقة أمثال السعودية وغيرها إلى حيث المبتغى، وهذه النظرة الدونية للقوة الكوردية رغم كل الخدمات، تزداد على خلفية تشتتنا، وانقساماتنا الداخلية، وأدت إلى ما بلغناه حاليا لعدم محاولتنا فرض ذاتنا كقوة موحدة على الاستراتيجيتين الأمريكية والروسية.
وما يبعدنا زمنيا من أمل بلوغ الهدف الذي من أجله تم الاستفتاء، هي مواقف المؤسسة الخارجية الأمريكية، وصمت أو تصريحات وزيرها، ومنها الأخيرة، والصادرة حتما ليس لغباء أو استغباء، عندما طلب البارحة في الرياض، من الإيرانيين الخروج من العراق، دون التطرق إلى حوادث كوردستان، وانتهاكات حكومة حيدر العبادي لجغرافية كوردستان، بمساعدة القوات الإيرانية التي طلب منهم تيلرسون الخروج من العراق، وقيادة قاسم سليماني ورئيس المخابرات التركية هاكان فيدان الذي كان حاضرا معه في السليمانية وكركوك أثناء الحوارات السابقة لدخول الحشد الشيعي والقوات العراقية كوردستان واحتلال كركوك؟! لا يعقل بأن السيد ريكس تيلرسون لا يعرف مدى خضوع الشيعة لأئمة ولاية الفقيه! ومدى تأثير قراراتهم على الحشد الشيعي وحزب الله اللبناني والفصائل العسكرية الشيعية الأخرى، ومن بينهم الحوثيين في اليمن، وعلى الشارع العراقي والبحريني والسعودي الشيعي عامة! ولا نظن بأن الوزير ومستشاريه لا يعلمون بأن أوامر أئمة ولاية الفقيه للشارع الشيعي أينما كانوا آيات مقدسة، والقلة التي لربما تعارضها أو تناقشها، لا تتجرأ حتى بالظهور، باستثناء بعض الذين في الخارج، وهؤلاء لا صوت لهم ولا أهمية، وأنه بين أئمة ولاية الفقيه وروسيا علاقات استراتيجية، وهذا الطلب بحد ذاته موجه لروسيا لتقليص دورها في العراق.

والأغرب من كل ما سبق، هو سقوط إدارة ترامب في أفضح خطأ، باعتمادها على حيدر العبادي رئيس وزراء العراق، والتي تظن بأنه رجلها، بعدما فرضته على الكتل السياسية العراقية، دعمته كأفضل الأشرار بين قادة الشيعة العراقيين، وتدعمه وتدفع به لجعله صاحب سلطة شمولية، ليتمكن من التحكم بالشارع العراقي. ومن هذا البعد سمحت له بالهجوم على كوردستان، وكأننا نرى بأن أمريكا ساعدت على تسهيل المخطط الإيراني التركي على كوردستان، لأن مهاجمة كوردستان كان ضمن المخطط الإيراني-التركي الذي رسم أثناء زيارة أردوغان إلى إيران قبل أسابيع.
وكان الموقف الأمريكي هذا يختلف عن مخطط الدول المحتلة لكوردستان، لكنهما صبا في نفس المجرى، فبالنسبة لأمريكا تم لسببين: أولاً، أن الكورد كما ذكرنا ليسوا بذات الأهمية بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية، وفي هذا يزداد الفرد حيرة من استنتاجات مستشاري ريكس تيلرسون الذين يؤملون في ترجيح حيدر العبادي مصالح الأمريكيين على طموحات المرجعيات الشيعية! والثاني، وهو والأغرب أنهم يغيبون دور ملايين الشيعة في العراق، الذين يتوجهون بأوامر من أئمة ولاية الفقيه، وبدونهم لا دور لحيدر العبادي أو أي سياسي شيعي آخر، وأي خطأ أو تجاوز له ستكون نهايته، رغم محاولات أمريكا بخلق توافق بينه وبين السنة في المنطقة، علما أن التجمع بحد ذاته غير متجانس، ولا يمكن أن تتوافق مستقبلا مهما حاولت أمريكا، وهذه ترجح الكفة الإيرانية الشيعية.
ولا نظن أن الاستراتيجيين الأمريكيين جهلاء بالعلاقات الروحية بين المرجعيات الشيعية وشارعه، وعلى الأرجح منتبهون إلى أن أئمة ولاية الفقيه مع حيدر العبادي وحزبه، يستغبون إدارة ترامب؟ بتقبله الانضمام إلى التحالف السني، المدعوم أمريكيا، وعلى أثرها تم زيارة عدة دول عربية متزامنا مع زيارة وزير خارجية أمريكا، وحيث اللقاء الذي على الأغلب تم فيه بحث قضية مواجهة إيران الشيعية، وعملية كركوك، والمنطق المتنازعة عليها، والدور الإيراني والحشد الشعبي، والانتصار على القوات الكوردية المشتتة، ليتمم زيارته فيما بعد إلى تركيا السنية، مستخلفا منها إيران في البداية، لكنها أضيفت بعد تصريح السيد تيلرسون، وسينتقل من تركيا مباشرة إلى إيران لتبيان ولائه لأئمة ولاية الفقيه، والتأكيد على أن الانتماء الأولي لإيران وليس للولايات المتحدة الأمريكية أو للحلف السني، ومن ثم دراسة المخطط الرئيس له وللقوات العراقية وللحشد الشيعي على إتمام مهاجمة كوردستان، ومساعدته لتقويض السلطة الفيدرالية الكوردستانية وتوسيع صلاحياته كسلطة مركزية.
ورغم كل التوقعات، والاحتمالات يظل المراقب السياسي في حيرة الحكم على استراتيجية إدارة ترامب المتضارية،والذي يتم مناقشته في معظم الإعلام الأمريكي، وعلى أثرها تعرض أسئلة عدة، منها: ألا تعلم إدارة ترامب، البيت الأبيض ووزارة خارجيته، بأن معظم شيعة العراق إيرانيين أو تابعين لمرجعياتها؟ وألا يعلم السيد الوزير بأن طلبه، وكترضية للسعودية المرعوبة، بخروج الإيرانيين من العراق، يعني إما تغيير جغرافية العراق إلى إيران، أو إخراج أغلبية الشيعة العراقية من إيران؟!

ومن المؤسف لنا نحن الكورد، وحيث قراءتنا الخاطئة للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة وخاصة سياسة وزارة خارجية الإدارة الجديدة، والتي لا تقل عن رهبة الدول السنية، وخاصة دول الخليج العربي، الذين يضطرون الوثوق به ويستندون عل تصريحاته، وحواراته، بأننا لا نزال لا نعلم بأننا دون مستوى التأثير على تغيير الاستراتيجية الأمريكية أو الروسية في المنطقة، وأننا لسنا بأكثر من أحد أضعف الحلقات المستخدمة في الصراع الدولي الجاري ضمن المنطقة، خاصة ونحن على هذا الوضع المذري من حيث التشتت والخلافات، وضعفنا في معرفة الدبلوماسية العالمية، والتعامل معها.

المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع 

التعليقات مغلقة.