المجلس الوطني الكوردي في سوريا

الدكتور محمود عباس: ماذا قال بوتين للخامنئي حول كوردستان..

86

 

لولا الأهمية الكبرى لمجريات الأحداث في المنطقة، لما سافر بوتين إلى طهران من أجل محادثة لم تدم أكثر من نصف ساعة، والمختصرة بجلسة فيها من التحذير أكثر من أن يكون حوار سياسي. ذكر بعض المراقبين السياسيين بأن زبدتها كانت الجملة التالية (لا تتمددوا في كوردستان أكثر مما سمحوها لكم) والمقولة لم تكن تهديدا بل كانت تنبيهاً لمخطط أمريكي -إسرائيلي، يعمل عليه ومن عدة جوانب، وكوردستان أحداها، لجرهم إلى مستنقع حرب غير معروفة كوارثها على إيران قبل كوردستان والعراق، وستكون نتائجها كسابقاتها، التي أدت إلى تهيئة أسباب سقوط معظم الحكومات العراقية، وآخرها حكومة المالكي، رغم دعم أئمة ولاية الفقيه اللامحدود له.
تحذير بوتين لم يكن كرها بالكورد، ولا بقضيتهم، ولا للحد من طموحاتهم، فالحكومة الروسية لا تعاديهم، بل على الأغلب ستدعم بعض طموحاتهم في القادم القريب من الزمن، وهو ما جاء على لسان وزير خارجيتها سيرجي لافروف قبل الاستفتاء بأسابيع. بل كان تنبيهاً على مستويات عليا من السرية، لإنجاح مخططات إدارة الحرب بالوكالة، ولأن إيران أحد أهم أدواتها في المنطقة، ولأهمية التحذير وجبت الزيارة.
ولأن المخطط الأمريكي في الشرق الأوسط لا يزال يفتقر إلى استراتيجية متكاملة، بين مؤسساتها، قبل أن تكون بينها وبين أدواتها في المنطقة، والكورد واحدة منهم في البعد العسكري، دون السياسي حيث يكمن أحد أهم جوانب الضعف الكوردي، فعدم الترابط يسهل قراءة استراتيجيتهم بسهولة، أو كشفها واستنتاج ما تخطط له الإمبراطورية الأمريكية، ومنها مشاريع مواجهة التوسع الروسي عن طريق التمدد الشيعي، كالمطروحة على الحلف السني أثناء زيارة ترامب للسعودية وإسرائيل، والتي غطيت تحت الصفقات العسكرية التجارية الضخمة، وأول بوادر اشتعال فتيلتها كانت قضية الخليج، وتحذير قطر، وتلتها قضايا ثانوية، إلى أن تم جرهم إلى جنوب كوردستان، وتحت طعم نفط كركوك، والأن تتم تنقية الداخل الخليجي وعلى راسها السعودية.
والكورد ولعدة عوامل ذاتية وخارجية، بدأت تضعف دورهم ضمن الحلقات السياسية في الصراع الجاري بين الدول الكبرى على المنطقة، ويحتمل أن تليها العسكرية رغم ما يقدمونه من تضحيات، فهم، وكما في كل المراحل التاريخية الماضية، يصبحون ضحية استراتيجيات متضاربة، ومصالح لا يجدون للكورد ثقلا يجاري القوى الإقليمية، ويزيد في هذا صراعاتهم تحت إملاءات القوى الإقليمية، وفي الواقع لم يتمكن الكورد وحتى اللحظة من تقديم ما يمكن التأثير به على القوى العالمية للاستئثار بهم وتفضيلهم على السلطات المحتلة لكوردستان.
فالولايات المتحدة الأمريكية كإمبراطورية لا تهمها كثيرا خسارة جغرافية مقابل أخرى أكثر ربحا، فهي تعتمد على تكتيكات آنية، وكثيرا ما تكون هي ذاتها استراتيجيتها لتلك المنطقة، وكما ذكرها كسينجر في مذكراته بأنها لا تمتد إلى أكثر من خمس سنوات في أفضل حالاتها، وهي نابعة من الثقافة الرأسمالية التي تهمها الأرباح السريعة، والاستهلاك الأسرع، وحتى أحيانا المقايضة بين جغرافيات كسلع، ونادرا ما تقف على القيم والأخلاق، ويدرس هذا النهج في هيئاتها التعليمية وبطرق متنوعة، لكنها لا تنسى يوما منطق الفائدة للإمبراطورية، وهو مبدأ يشترك فيه الجمهوريين والديموقراط.
أما الاستراتيجية الروسية، المحتفظة بالكثير من خلفيات ثقافة الاتحاد السوفيتي، حيث التفكير الهادئ، عند رسم الاستراتيجيات ذات الخطط الزمنية الممتدة إلى عقود، وبمراحل مترابطة، تظهر نجاحها في عدة مناطق ساخنة من العالم، رغم ما لها من سلبيات، وخاصة في عصر التكنلوجي الجاري، والذي يسارع في التغيير الحضاري للمجتمعات، ومعها حركة الأسواق العالمية المتسارعة، وكذلك على مراكز قواها، المتأثرة كثيراً بالدورات الاقتصادية، المحددة، وحسب علماء الاقتصاد في أفضل حالاتها، بعشر سنوات، وهي الأطوار المعروفة عالميا بناءً على دراسات واستنتاج علماء- فلاسفة الاقتصاد، أمثال: آدم سميث، وديفيد ريكاردو، وكارل ماركس، وجون مينارد كينز، وميلتون فريدمان وغيرهم.
وقد تم مؤخرا تقديم دراسات واسعة عن استراتيجية الصين كثالث أكبر الطامحين إلى تشكيل إمبراطورتيها، ويعرف عنها بأنها تركز الأن على استراتيجيات طويلة المدى، مستندة على الوتيرة المتصاعدة لاقتصادها، على مدى العقود الثلاث الماضية، والمستقرة على أعلى المستويات في العالم خلال هذه الفترة والبالغة حدود 12% قبل أن تتراجع قليلا في السنوات الماضية. فساعدتها نجاحها الاقتصادي على الخروج من جغرافيتها، والتمدد عالمياً، خاصة بعد أن حققت مجتمعها تطورا متسارعا، اقتصاديا وسياسيا. وعليه بدأت تبني علاقاتها السياسية-الاقتصادية مع أصدقائها، باستراتيجية أكثر حذرة من أمريكا وروسيا، تجمع ما بين الأرباح والثقة المتبادلة، وقد عرف عنها من قبل المراقبين السياسيين بأنها نادرا ما تفرض بحلفائها، فتصاعد مداخلاتها الدولية بهذه الاستراتيجية أكثر رهبة في المنظور البعيد من استراتيجية روسيا لأمريكا في منطقة الشرق الأسيوي، كما وبدأت ثقلها تظهر في دول عربية وإفريقية، كمنافس للشركات الأمريكية.
بناءً على الاستراتيجيات المتبعة من قبل الإمبراطوريات الثلاث، والمتحكمة بمصير معظم الدول، والمجتمعات، والأسواق العالمية، نجد بأن واقع كوردستان بشكل عام وجنوب أو جنوب غربي كوردستان بشكل خاص لا تزال أضعف من يكون لها تأثير على مراكز القوى العالمية الاقتصادية والسياسية، ولذلك فهي تندرج ضمن عملية تشبه المقايضة بها وباقتصادها وديمغرافيتها وقضية شعبها مقابل كيانات جاهزة ولا تزال أهم منها.
وهنا تكمن مدى ضعف أو قدرة قادة الحركة الكوردستانية في فرض كوردستان كقوة قد تعكس مصالح الدول الكبرى، أو يثبتون لهم بأن كوردستان سلعة ليست سهلة مقايضتها، وقوتها العسكرية قد تكون الأداة الأكثر فائدة في المستقبل، فيما لو تم التقييم وفض عنها الإهمال، وبالإمكان أن تكون أكثر نفعا من القوى الإقليمية المجاورة واقتصادهم وثرواتهم، فيما لو قدمت لها الدعم الكافي.
ولا بد من إيجاد طرق لإقناع الدول الكبرى (أمريكا وروسيا) بأنه رغم الانتهاء من إحدى بؤر الإرهاب في المنطقة، فإن التمدد الإيراني الشيعي، والطموح الطوراني، والدول العربية الغارقة في ثقافة التكفير والحقد، لن يكونوا أقل تهديدا من منظمتي داعش والقاعدة، لمصالح أمريكا وروسيا معا في المنطقة، وأن الصراع المذهبي والقومي، وخلافاتهم على السلطة، ستزول عند مواجهة الدول (الكافرة) كأمريكا وروسيا. وبمساعدتهم لكوردستان ستتحرر ثروة نفطية وغازية هائلة قابلة لأن تعقد صفقات حضارية أكثر استقرارا، ودعما لمصالحهم في المنطقة مع شعب يحارب الإرهاب عن قناعة وإيمان.
ولا يستبعد أن مثل هذه الأفكار تطرح في أروقة الدراسات الاستراتيجية لدى روسيا وأمريكا، مثلما جرت في بدايات القرن الماضي بين فرنسا وبريطانيا، وعليه تم عزل وتقسيم كوردستان، وتبينت بأنها كانت من أفشل الاستراتيجيات في المنطقة، وعلى أثره خسرا المنطقة خلال فترة أقل من ثلاثة عقود، وهو ما يتوقع دراسته من قبل استراتيجيي الدولتين الكبريين، رغم المخاطر المحاطة بهما، ومن قبل الدول الإقليمية والتي ليست بأكثر من أدوات في حروبهما الباردة منذ فترة الاتحاد السوفيتي، باستثناء أن الصراع أنتقل بينهما من الحيز الإيديولوجي، إلى حيز المصالح، وهي الأن تدور بين قوتين رأسماليتين وباستراتيجيتين مختلفتين، أحيانا يتفقان رغم تضارب مصالحهما، مثلما يحدث اليوم في كوردستان وسوريا.
وتبقى الإمبراطورية الأمريكية هي المهيمنة، والتي هي على مقدرة من وضع حصار اقتصادي على روسيا، رغم المواجهة الخطيرة، وتحجيم دورها في كل من سوريا وأوكرانيا، والعراق عن طريق الحشد الشعبي، ومناطق أخرى من العالم. ورغم هذه المنافسة (التي من أجلها سافر بوتين إلى طهران) فلا نظن بأنه هناك بديل أنسب منهم للكورد، خاصة وأن روسيا لا تزال تكثف جهودها لتشديد العلاقة مع تركيا ولا تظهر أية بوادر لتقليص علاقتها مع أئمة ولاية الفقيه وتوابعهم، فأية محاولة من قبل قادة الحركة الكوردستانية لإدراج مصالح الشعب الكوردي في مجريات مصالحها سيعد مكسبا للقضية الكوردستانية، ولا تعني هذا غض الطرف عن مصالح روسيا وثقلها واستراتيجيتها في المنطقة ومن ضمنها كوردستان، والتي لو تمكن الكورد من إقناعهم في احتضان قضيتهم لكان نجاح منقطع النظير.
معظم التوقعات، وحسب رؤية أغلب المنظرين السياسيين، وبناء على طموح هاتين الإمبراطوريتين واستراتيجياتهما، ترجح احتمالين حول مصير كوردستان: الأول على المدى القريب، من المهم في هذه الفترة تجميع قدراتنا للحفاظ قدر الإمكان على المكتسبات الباقية بيدنا. والثاني على المدى البعيد، والمرجح احتمالية النجاح وبروز القضية الكوردستانية إلى سوية المحافل الدولية، ليس فقط بالنسبة لجنوب أو جنوب غربي كوردستان بل لعموم كوردستان، ولهذه تتطلب من الحركة الكوردستانية أن تعيد النظر في كل مواقفها وعلاقاتها الإقليمية السابقة، وتشكل قيادة واعية تكون على قدر المسؤولية، فالدعم الدولي لوحده لن يجدي نفعا.

المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع 

التعليقات مغلقة.