المجلس الوطني الكوردي في سوريا

محمود عباس: ماذا سيقول تيلرسون لأردوغان..

50

من سيملي على الأخر، ويفرض شروطه، ومن سيتنازل، خاصة وإن أمريكا الأن تضع استراتيجية البقاء في سوريا، وليس لها إلا المنطقة الكوردية، مثلما لم تجد بوابة غير البوابة الكوردية عندما أرادت العودة، مستخدمة القوة الكوردية العسكرية، المرفوضة تركيا ومن بعض الدول الإقليمية الأخرى. ولهذا ولأسباب أخرى، معظم الحوار سيجري على عفرين، والمساعدات العسكرية الأمريكية لقوات الحماية الشعبية، وبشكل خاص الوجود الأمريكي في منبج والتي هي بوابة الوجود الأمريكي في سوريا أو عدمه، وهو ما صرح عنه الدبلوماسيون المعنيون بزيارتي، كل من مستشار الأمن القومي الأمريكي هيربرت مكماستر إلى إستانبول والمزمع القيام بها في نهاية هذا الأسبوع، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون إلى أنقرة في عطلة الأسبوع الذي يليه ضمن جولته التي ستشمل عدة دول في الشرق الأوسط، إلى جانب قضايا متعلقة بالانقلاب الفاشل والتهم الموجهة إلى أمريكا. وعلى الأغلب الدبلوماسيين الأمريكيين سيكونان في موقع التلقي سيتبعه الترغيب مع احتمالية إرفاقها بالتهديد بصيغة الإملاءات، وتركيا ستعرض شروطها، وأولها التخلي عن الكرد، بإيقاف الشحنات العسكرية، تحت مسوغة ال ب ي د والعلاقة مع ال ب ك ك.
ترجح هذه المعادلة من خلال السوية الدبلوماسية، وأسلوب الزيارة، المبتدئ بمستشار الأمن القومي أحد المسؤولين عن إيصال السلاح للقوات الكوردية وهو الذي أبلغ الأتراك بها، ولأهمية الحوار معه، ظهرت إشاعة بلقاء، سري بالنسبة للإعلام وليس للأمريكيين، بين رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان مع السوري علي مملوك، في القاعدة الروسية حميميم، وهنا يتأكد، فيما إذا تم مثل هذا اللقاء، حضور روسي، إن لم يكن بإشراف منهم، والأرجح أن قضية الهجوم على عفرين كان المحور الرئيسي في المحادثات، وما سيتم أو يجب أن يتم بين الجانب التركي والأمريكي، ولا شك مصير المعارضة السورية التكفيرية المسلحة في إدلب، ولربما المرافقة للقوات التركية في هجومها على عفرين، علما أن القضية الأخيرة على الأرجح ستكون محور محادثات على مستويات أعلى. وبالمقابل كان هناك التحرك التركي السياسي، وهي الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية التركي إلى إيران، وباطلاع كامل للجانب الروسي على مجريات المباحثات، والمواضيع هي ذاتها، وبالتالي فالقضية الكوردية ومن ثم القوة العسكرية الكوردية، ومستقبل المنطقة الكوردستانية، عقدة مباحثات الدول الإقليمية والدولية، وعلى الأغلب الثقل الكوردي السياسي والدبلوماسي لا ترقى إلى سوية رجحان الكفة الدولية لصالحهم، بقدر ما يرجحها مصالح الدول الكبرى، والصراعات المخفية بينهم، وعدم وجود البديل عنهم لأداء الخدمات وتمرير أجنداتهم في سوريا.
ليس هنا بيت القصيد، بل ما سيتم الاتفاق عليه، وهل الدبلوماسيين الأمريكيين سيتنازلان مقابل خدمات ستقدمها تركيا. ففي فترة المرحلة الانتخابية كان دونالد ترمب، ينتقد سياسة أوباما بأنه يتخلى عن أصدقاء أمريكا ويفتح المجال لأعدائها بالتمادي، ووعد بأنه سيعيد تركيب المعادلة، وبما أن تركيا أحد أقرب الدول لها، وعضوة مهمة في الناتو، فكانت في مقدمة الدول المعنية بالأمر، لكن وبعد تصعيد الحرب على داعش، والعلاقة غير المباشرة بين تركيا وداعش، من جهة، وعدم تمكنها إيجاد القوة المناسبة من المعارضة السورية، ولا الدول الإقليمية الأخرى المعنية بالأمر، للقيام بمهمة محاربة الإرهاب، من جهة أخرى، اضطرت إدارة ترمب قبول المر، واستخدام القوة الكردية المرفوضة تركيا، لأداء المهمة، خاصة وقد تلاقت هناك المصالح الكوردية على خلفية هجمات داعش والتكفيريين من المعارضة السورية وبدعم تركي، وبدأت مرحلة التعامل الأمريكي مع الكرد، وكانت فيها مخالفة لوعد الرئيس، وتوسع الشرخ بين حلفي الناتو، بغض النظر عن رجحان أهمية الطرفين على بعضهما، ومن يحتاج إلى الأخر، والتحولات التي جرت على الساحة التركية، وعلى خلفية عدة إشكاليات أخرى.
بغض النظر عن المصالح المتنوعة المتضاربة والمتقاطعة في عملية الهجوم التركي على عفرين، وحشد البقية الباقية من المعارضة السورية التكفيرية وزجها في المعركة، مع الكورد حاضرا، والروس وسلطة بشار الأسد لاحقا، في حال تراجع الكورد عن المنطقة، يلاحظ أن تركيا إذا استمرت وطالت مدة حربها فستجلب على ذاتها الدمار من الجهتين، الروسي قبل الأمريكي، والبوادر بدأت تظهر، فرغم الصمت التركي حول ما يقوم به بشار الأسد والطيران الروسي في كل من إدلب والغوطة الشرقية، ظهر الطلب الإيراني منها بوقف الحرب والخروج من سوريا حتى ولو كان التصريح للاستهلاك المحلي وتغطية للقاء المفاجئ بين وزيري خارجيتهما، والطلب الفرنسي المماثل للإيراني، وسحب الهولندي سفيرها من تركيا، والسويدي بالتهديد المماثل للهولندي في حال عدم وقف الهجوم، وغيرها من المواقف الدولية التي تقول أن تركيا زادت حرباً على الحرب في سوريا، والأهم هو الموقف الأمريكي، مقابل الانتظار الروسي إلى أن ينتهي من إدلب، والذي سيتوضح في الزيارتين القادمتين، فعلى الأرجح سيضعون على الطاولة مسألة وقف الحرب والانسحاب كشرط مبدأي لأي اتفاق سيتم لاحقاً.
أي كانت الاتفاقيات أو المطالب الأمريكية، فالأتراك سيظلون ملحين على مطلبهم الرئيسي من المستشار ووزير الخارجية تحت مظلة محاربة الإرهاب، التخلي عن مساعدة القوة الكوردية المتهمة بالإرهاب، وأنها لا تمثل الكورد. هذا التهجم على الكورد تحت غطاء أصبح هشاً، جلب لها من المضار لا تقل عن الكوارث التي حلت على الشعب الكوردي، مع ذلك غضت تركيا الطرف عن جميع الاحتمالات السيئة الناتجة عن هجومها على عفرين لغاية واحدة، وهي عدم ظهور فيدرالية كوردية أخرى كفيدرالية الإقليم الكردستاني الجنوبي.
فعلى خلفية هذه الكراهية المبطنة دبلوماسياً، هل سيتمكنون من إقناعهما للاستمرار في الحرب، وتمديد المدة الزمنية، ضمن جغرافية عفرين فقط؟ أم سيتمكن تيلرسون وقبله مكماستر بالمقابل فرض استراتيجية البقاء الأمريكي في سوريا عليهم، وفي المنطقة الكردية بالتحديد، ومنبج وربما عفرين ضمنها؟ وتبقى كل الاحتمالات معروضة، خاصة هناك المصالح الروسية على المحك، وسلطة بشار الأسد تترقب الفرصة لضرب المعارضة التي جلبتها تركيا إلى عفرين، بنفس الطريقة التي جمعتهم فيها ضمن منطقة إدلب.
ومن الأن إلى حينه ستجري مياه دبلوماسية كثيرة، وحلقات سياسية عديدة ستعقد، وستظل احتمالية استمرار الحرب أو إيقافها والتراجع غير واضحة حتى للجانب التركي ذاته، والتي هي الأن ليست صاحبة القرار النهائي، رغم أن الاحتمال الأخير ستهد من طموحات أردوغان المستقبلية، إن لم تكن نهايته، لكنه سيرجح مع طول مدة المقاومة الكوردية. فهل سيواجه تيللرسون الأتراك من هذا المنطق، أي منطق المقاومة والتهديد بالدعم، وهل سيعلى حديثه الدبلوماسي إلى هذه النبرة في حال أصر أردوغان على خروج الأمريكيين من منبج.

المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع

 

التعليقات مغلقة.