المجلس الوطني الكوردي في سوريا

محمد علي عيسى :المجلس الوطني الكوردي أمام امتحان صعب

67

 

عندما بدأت أصوات الحرية تتعالى في وجه الطغاة و ظهرت ملامح ما يسمى بالربيع العربي في كثير من البلدان إلى أن وصل إلى سوريا ، و مَنْ مثل سوريا كان بحاجة هكذا ربيع بعد خريف دام عشرات السنين .
و مما لاشك فيه أن المكون الكوردي كان الجزء الأحوج لهكذا ثورة كونه المكون الأكثر تعرضاً للظلم و التمييز في ظل حكم الطاغية الأب و الإبن لعقود من الزمن .
و هنا كان لابدّ للحركة الكوردية الوطنية في سوريا أن تحدد خياراتها و تعبر عن توجهاتها ، و لأن الوضع لم يكن يحتاج لدراسة مطولة او تفكير عميق لتحديد الجهة التي يجب الانتماء اليها طالما الاختيار محصور بين نظام ديكتاتوري مجرم و شعب يصرخ للخلاص و يهتف للحرية و الكرامة ، لذا كان من الطبيعي أن يكون أكثر متضرري النظام من أوائل الثائرين عليه فحسم الشعب الكوردي أمره و أخذ قراره منذ البداية و هو الانضمام إلى هذه الثورة بكل شبابها و طاقاتها .
لكن كان لل ب ي د رأي آخر شاذ و غريب عن مجرى الاحداث ، بصراحة والحق يقال لم يكن غريباً بالنسبة لهم هم بالذات ، فقد فرض تاريخهم العفن عليهم نفسه من جديد ، فقرروا ألا يخونوا علاقاتهم القديمة و ينسوا أولي الفضل عليهم ، فعادوا من جديد إلى جلباب النظام السوري و الملالي الايراني ، ليجندوا أنفسهم سلاحاً مأجوراً بيدهم و قوات تحت الطلب يأتمرون بأوامرهم دون نقاش ، ابتداءاً بالتضييق على القوى الوطنية و ملاحقة الشخصيات الثورية و محاربة قوى الثورة و ليس انتهاءاً بتحرير الاراضي بدماء الكرد و تسليمها على طبق من ذهب للنظام .

في الجهة المقابلة لم يستطع المجلس الوطني الكردي أن يرتقي إلى مستوى حدثٍ ضخمٍ كالثورة السورية و أن يتخذ قراره و يبني علاقاتٍ متوازنة مع قوى الثورة ، كما تأخر بخطوات عن الشباب الكورد الثائر و الذي أتخذ قراره فوراً و نزل إلى الشوارع للمشاركة بكل قوة في المظاهرات ، بل ظل المجلس في موقفٍ مترددٍ ، فوضع رِجْلاً في المعارضة السورية من خلال الائتلاف الوطني والذي دخله بعد جهد جهيد و صراعات في المجلس و الرِجْلُ الآخر في الهيئة الكردية العليا من مبدأ مد الجسور بين الإخوة ، فلا استطاع كسب ثقة الائتلاف وتبديد الشكوك عن نفسه و لا استطاع الاستمرار مع ال ب ي د في الهيئة العليا ،هذه الهيئة التي تم استغلالها كليا من ال ب ي د لخدمة مصالحه و بالتالي لمصالح النظام .

و مما لا يمكن إنكاره هو أن المجلس كان في بعض المواقف يرتقي لمستوى الحدث ، يأخذ مواقف جدية ، كما إنه له الفضل الكبير في إخراج قضية الشعب الكردي من قوقعتها و طرحها على مستوى العالم من خلال انفتاحه على المجتمع الدولي مستفيدا من عضويته في الائتلاف السوري و مشاركته في المؤتمرات الدولية ، لكن الصفة العامة و السائدة للمجلس كانت التردد و اللاحسم .
الصفتان الأخيرتان أفقدتا المجلس جمهوره و وجوده على الأرض و أتاح لل ب ي د السيطرة على الارض و الشعب الكردي ليقوم بفعل ما أراد و عجز عنه أسياده في دمشق ، من اعتقال الشخصيات الكردية الثورية و فرض الأتاوات و تجنيد القاصرين و إفراغ المنطقة من شبابها و أدلجة التعليم و إلغاء الحالة السياسية في المنطقة والتضييق على التنسيقيات و آخر أفعاله الشنيعة كانت مقامرة العصر في عفرين من خلال زجها في معركةٍ خاسرة محسومة النتائج سلفاً و استنجادها بشبيحة النظام و استكمالاً لجريمته قام بمنع الأهالي من العودة من خلال زرع الألغام في الطرق و داخل البيوت و المحلات و مؤخراً بتنا نسمع كل يوم عن ظاهرة قتل الأشخاص على الحواجز و فض اعتصامات الأهالي الراغبين بالعودة بقوة السلاح و تسكينهم في مخيمات تعيسة تفتقر لكل مقومات الحياة و أمام عيونهم منازلهم تغتصب ، لقد فعل هذا الحزب كل ما يمكن فعله بهدف إفراغ عفرين من أهلها ليتيح بذلك توطين القادمين من الغوطة ليضع بذلك حجر الأساس لمشروع التغيير الديمغرافي في المناطق الكردية ، هذا المشروع المشؤوم الذي التقت عنده مصالح النظام و تركيا و ال ب ي د ، كما إنه ومؤخراً قام بتسليم تسعين شخصية كردية و على رأسهم المناضل عبد الرحمن ابو الى النظام السوري ، ومايزال مستمراً في ممارساته و بيعه الاوهام للشعب .

ما ميز المجلس الوطني طوال هذه المدة و جعله الخيار الأفضل هو صحة موقفه و تبنيه مشروعاً يجمع بين الوطنية السورية و القومية الكردية و عدم قيامه بإيهام الشعب و خداعه ، وإن كان لم يستطع أن يحميهم من بطش ال ب ي د ، إلا أنه لم يلطخ يديه بدماء الكرد و ظل بريئاً مما آلت إليه حال الكرد و مناطقهم الآن .

و بعد الهزيمة المذلة التي مني بها ال ب ي د في عفرين و فشل مشروعه ، خاصة بعد تخلي القوى الكبرى عنه ، و لأن العبرة تكمن في الخواتيم و الأمور في سوريا بدأت تفضي إلى خواتيمها ، كما و سيكتمل قريبا ملامح الخطة الأمريكية، فسيكون مصير ال ب ي د كمصير غيره من المسلحين المأجورين مثل النصرة و داعش ، سيعود كل إلى جحره ، لحين الحاجة في مكان و زمان آخرين.

بعد هذه السقطة الشعبية لل ب ي د و فقدانه لثقة الكرد ، كان يُفترض على المجلس الوطني أن يقوم بملأ هذا الفراغ و لعب دور سياسي و ميداني فعال من خلال اتخاذ موقف سليم و جدّي تجاه ما حصل في عفرين و المساهمة في عودة الأهالي وتأمين الأمن و الأمان وكافة مستلزمات العيش لهم ، لكن هذا لم يحدث إنما العكس ، اكتفى المجلس بإصدار البيانات و التأويل واللعب على المصطلحات دون الخوض فيما هو عملي و مجدي لأهالي عفرين ، و هذا ما سبب امتعاض واستياء غالبية الاهالي للمجلس .
وكما تعوَّد تف دم في كل كارثة يجلبه و كل مأزق يقع فيه أن يجد المجلس الوطني جاهزا للنقاش و رمي حبل النجاة له و تقديم خدماته بالمجان دون ضمانات او شروط كما حدث في اجتماعات هولير 1 و هولير 2 و دهوك والتي تمت تحت رعاية الاقليم من خلال شخص (حميد دربندي) مسؤول الملف السوري في حكومة الاقليم ، الذي لا بد أن نوفيه حقه من النقد لأنه أثبت و بكل جدارة فشله منذ بداية الأزمة السورية في إدارة العلاقات مع ال تف دم و قد ساهم بشكل فعال في تقوية شوكة ال تف دم ، و فرض سطوته

إعلام enksاورفا

التعليقات مغلقة.