المجلس الوطني الكوردي في سوريا

متلازمة نشوة القوة و خفضها..

72

وليد حاج عبدالقادر / دبي
لم يكن خافيا على أي متتبع لسيرورة المسألة السورية ، والتي دخلت نفق العنف المسلح من أوسع بواباتها ، ومعها تتالت مظاهر الحرب الأهلية ولتكشف وتنذر بحرب طويلة الأمد ، على حساب تعثر او تعثير الحلول السياسية ، هكذا بدا المشهد قبل انتهاء عهد باراك أوباما بحوالي سنة تقريبا ، إلا أن غرفتا الدولتين العميقة لكل من روسيا وأمريكا لم تتوقفا ، وكان ظاهرا حينها للعيان تلك الوشائج العميقة بخطوطها الساخنة ، مع تفعيل بنود قانون قواعد الاشتباك لا العسكرية فقط ، التي استخدمت كغطاء أخذت أجهزة الدولتين الأمنية والسياسية ، تخططان لإيجاد أسس ترتكزان عليها وحملاها سلسلة من التوجهات لتلبي كل ما يبتغيانها على الأرض السورية ، وكان الحرب على الإرهاب والقضاء على التنظيمات الراديكالية هي العنوان الأبرز فيها ، خاصة بعد ان أصبحت الاراضي السورية تربة خصبة جاذبة لغالبيتهم ، وفدوا اليها من جميع أصقاع العالم ، ومن هنا ، ومع ظهور غرفتي عمليات – موك – في الأردن والتي عنت بجنوب وجنوب شرق سوريا وغرفة – موم – في تركيا التي استهدفت شمال وشمال غرب كما شمال شرق سوريا ، وكان لاتفاق كيري ولافروف التي لاتزال – بتصوري – الركيزة الأساسية حتى الآن ، المرجع الرئيسي بين الدولتين ، وكان جرس الإقلاع التطبيقي لتلك المبادرة وخطوتها الرئيس سياسة خفض التصعيد والتي بوشر بها عمليا في منطقة الجنوب وتحديدا في بادية الشام وبالتماس مع الحدود الأردنية – السورية وصولا لجبل الشيخ والحدود مع إسرائيل وتمتد الى مثلث الموت بين السويداء وبداية الشام مع مثلث الحدود المشتركة بين كل من سوريا والأردن والعراق ، وكان لانحسار وتقهقر داعش وحليفاتها الأخرى وتقوقعهم في وادي اليرموك ، وبالتالي النجاح الملحوظ لخطة خفض التصعيد ، وتفرغ بعض من التشكيلات للعودة إلى محاربة النظام ، عاملا هاما في كشف المستور ، وبالتالي لم يكن الموقف الأمريكي حينها مفاجئا البتة إلا لمن فاتته الرؤية العميقة ، ونتذكر جميعا كيف انها خيرت تلك التشكيلات إما التوجه الى محافظة ديرالزور لقتال داعش او تسليم أسلحتها مع وقف كامل أشكال الدعم ورفع الغطاء عنهم ، وأمام رفضهم ، طالبتهم أمريكا بتسليم السلاح الثقيل وإلا فإنهم سيقومون بقصفها وتدميرها ، وبالفعل تم استرداد كامل تلك الأسلحة ، وباختصار شديد ، وهنا في خاصية حزب الاتحاد الديمقراطي ، سيكون من السخف على غالبية قادتها القائمين على رأس مهامهم والمغيبين ، التنصل من مئات المواقف والتصريحات بتوكيدهم على أن علاقتهم مع امريكا محصورة على محاربة الإرهاب ، ولا آفاق مطلقا لما بعد ذلك ، وكان دائما سياسة المراهنة على عامل الزمن وتوترات المنطقة هو الرهان الرئيس لهذه المنظومة في الأمل على استدامة العلاقة لفترات أطول ، ومع القضاء على داعش ودخول سوريا في دوامة الانكشافات ، وبالرغم من التحذيرات العديدة لهذا الحزب للإتعاظ مما حدث في مناطق أخرى ، إلا ان نشوة العسكرة من جهة وممارسة دور المخفر من جهة ثانية ، واصرارهم المستميت على تجاهل كل التصريحات والمواقف العملية لغالبية الدول التي تعاطت معهم ، والتي حددتها ومن دون استحياء بأن كل علاقاتهم محددة في نطاق محاربة داعش ، وعليه كان استبعادهم المتتالي عن اي فعل سياسي أممي بخاصية الأزمة السورية ، اللهم ما كانوا هم يقومون بها بالتوازي مع تلك الأنشطة ، والتي ما خلت من بهرجات استعراضية كانت تخفت مع خفوت مسببات القيام بها ، وأمر آخر : كان لمدى تحكم الغرور العسكري ، انعكاس سلبي في سلوكية قادة هذه المنظومة ، وذلك في تجاهلها لردات فعل العالم لممارساتها على أرض الواقع داخل المنطقة الكردية ، ظنا منها بأنها محمية لطالما هي تخوض الحرب ضد الإرهاب ، هذا الحرب الذي بدا لهم بأنها لن تتوقف ، في حين أن سجلها كانت تتراكم بخروقات فظيعة ، والتي انعكست سلبيا عليها ولتنكشف بأنه يستحيل عليها تجاوز العقلية العسكرية حتى وإن انتهت من العمليات العسكرية ، وعليه ، فقد أثبت حزب الاتحاد الديمقراطي فشله في الموائمة بين الحالتين الحربية والسلمية ، وبرز ذلك في نقطة جدا مهمة ، وهو آلية التعامل مع أسرى داعش ، ففي وقت ظلت تعتقل النشطاء الكورد ، وتتمسك بهم في المعتقلات ، تجاوبت مع وساطات عشائرية عربية واطلقت أفواج ممن كانوا في صفوف داعش ، وعجزت أيضا في تغيير نمطية التعامل مع العدد الكبير منهم في إبراز جوانب مهمة من الوعي القانوني الموائم للمقاييس الأوروبية ، وإمكانية توفير بيئة مقاربة لمحاكمتهم في المنطقة ، لابل طغى الجانب الإستثماري على أي جانب آخر ، وهذا الأمر بحد ذاته استغلته تركيا بعد أن أصبح من اهم البنود المحفزة لدول أوروبية في الموافقة على رغبات أردوغان ، مع توعده بأن يتسلم هو ملف أسرى الدواعش ، وملف الأسرى ارتبط بشكل مباشر مع موضوع الهجرة ، و ب ي د يعلم جيدا بأنه حتى غالبية كوادره الذين طالبوا باللجوء في الدول الأوروبية بالأعوام الأخيرة تذرعوا بمظلومية ادارتهم وممارساتها . وبخلاصة شديدة : لقد طغى الغرور المنظومة وانسلخت كليا في غالبية ممارساتها عن الواقع وتغاضت عن كل التحذيرات التي وجهت لها ، ورغم الستالينية المتحكمة في آلياتها التنظيمية وسرعة محاكمها – الثورية – إلا ان الأجنحة كانت – ولم تزل – تتخاطفها في كل الاتجاهات ، وكان يعول على بعضهم ، خاصة بعد غزو عفرين واحتلالها ، والذي كشف بشكل أوضح ، ان روسيا وهكذا امريكا امام مخططاتهما الرئيسة لن تباليا مطلقا بالتعهدات الهامشية حيث كان سرعة انسحاب القاعدة الروسية من كفر جنة حينها ، ولن يخفى علينا عرض واستعراض النظام ثانية في عفرين ومنبج ايضا مؤخرا .. والآن : ان ما يتم في منطقتنا الكردية هو تحصيل حاصل لمبدأ خفض التصعيد ومعها خفض القوة والتي وفرت ممارسات حزب الاتحاد الديمقرطي لها مقدمات متعددة ، وفشلت تماما في طرح غطاء سياسي مرن في المنطقة يؤسس – رغم هذه السنوات – لأنموذج كان من الممكن ان يتطور نحو الأفضل ، لابل ان كل خطواتها العملية أخذت طابع العمل على ابعاد المنطقة من قابلية التحول إلى بيئة وحاضنة لآفاق سوريا المستقبل على غرار كردستان العراق من جهة ، ومن جهة أخرى ظهرت ومارست سياسة استجلاب تركيا أردوغان إلى المنطقة مع أننا جميعا ندرك مدى عدوانية أردوغان ووقوفه بأي شكل من الأشكال أمام اي طموح كوردي مهما صغر ، وفي أية بقعة من العالم ، وسعيها المستدام في تحقيق مطامحها بضم هذه المناطق إليها ، وجميعنا يقف الآن أمام منعطف مصيري وتساؤل كبير : ان تقدمت القوات التركية واحتلت المنطقة ؟ هل ستخرج منها ؟ وتجربة قبرص لاتزال ماثلة أمامنا منذ سنة 1974 .. نعم ، لقد مارست ب ي د كل ما استطاعت ، سواء بقصد او من دونه ، سياسة تدمير الوفاق البيني كورديا ، والآن وامام هذه المعضلة وعلى الرغم من أهدافها المكشوفة ! هل يستطيع قادة هذا الحزب العودة وراءا – وأعني به الخاصية الكوردية بينيا – وتوفير الحد الأدنى من التفاهمات وإيجاد الأرضية الممكنة لتعويم ما يمكن درءا لكثير من الأخطار – أقلها – لا كلها ! لأنها قبل الجميع مدركة منذ زمن طويل بأن : المخطط سينفذ وفق مبدأ خفض القوة – وبدون أدنى شك …
(المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع )

التعليقات مغلقة.