المجلس الوطني الكوردي في سوريا

د. محمود عباس:آفاق الحراك الكوردي في جنوب غرب كوردستان  

80

بين الحاضر ومستقبل الشعب الكوردي، كوارث، ومعاناة، ومآسي، ومسافات زمنية قد تنعدم فيها القيم والأخلاق، ويسود نفاق السياسة وبشاعة الإستراتيجيات والمصالح، وتظهر جهالة حراكنا وبشائع أخطائنا، وسفاهة خلافاتنا، ولربما هشاشة إيماننا اللا شعوري بذاتنا كأمة ذات مقومات قومية متكاملة، أو لنكن أقل قساوة على جلد الذات، لم نبلغ بعد سوية المعرفة أو الإدراك اللاشعوري لمتطلباتنا كقومية.

فالعائلات المعانية والجريحة في روحها، لا تهمها نداءات دعاة الوطنية. والذين يتضورون أطفالهم جوعا، أو يعانون المرض بلا دواء ولا معالجة، وحيث مآسي الغلاء وشح المياه وانقطاع الكهرباء والعيش في رهبة دائمة من المجهول، لا يهمهم الحديث عن القادم المأمول، بقدر ما يهمهم تغيير الحاضر الكارثي. المهجرون يحلمون بعودة إلى دفئ دارهم المستولي عليه المحتلون، وإنقاذ أملاكهم التي أمضوا على جمعها عقود من العمر بل ولربما حياة أجيال سابقة. ففي ظل الكوارث المعيشية يغيب حلم الوطن، ولا ما سيكون عليه القادم من الزمن، فالجائع يهمه اللقمة قبل الوطن.
نتحدث عن الصامدون، والذين يواجهون القادم المرعب، وعن الذين يعيشون مآسي المخيمات التي تنقصها أبسط مستلزمات الحياة، والذين يهمهم قطعة لباس يكسون بها أطفالهم في صقيع الشتاء، ويكافحون من أجل لقمة ساخنة في لحظة يصرخ فيها الأطفال جوعا، والذين يحلمون بالعودة إلى تحت السقف المبني بعرق جبينهم، حيث الأمان، وليس عن تجار الحروب والانتهازيين، ولا عن شرائح القوى السياسية المتصارعة على أكتاف هؤلاء، فلو كان واقع هذا المجتمع يهمهم بقدر ما يهمهم سمعة أحزابهم لتجاوزوا خلافاتهم، وتحرروا من الإملاءات الخارجية.
أصبحنا كالسجناء الذين ينظرون من خلال الطاقة إلى السماء الزرقاء، حالمين بالتجول يوما ما، أحراراً على جغرافيتنا المغتصبة، نوجه أصابع الاتهام إلى بعضنا، متناسين المحتل وإمكانياته، ومتقاعسين عن إنقاذ المهجرين من أمتنا، أو تقديم المساعدات الضرورية للمجتمع المعاني. لا تستأثر اهتمامنا على احتمالات إخراج أو طرد المحتل، بقدر ما يهمنا البحث عن ذنوب اقترفناه، فهكذا نعيد مراحل التعتيم، والتي لم يكن فيها العدو يبالي بإمكانياتنا، فقد أصبحنا كالماضي أضعف من أن نؤثر عليه، لأننا نصرف جل طاقاتنا على التصارع بين بعضنا، وعلى من هو الجاني والمجني عليه، ونتناسى أن العدو لا يزال هو القاضي.
أغلبية شعبنا المعاني يأس من الحاضر ويشك في القادم، لأنه بلغ مرحلة دراية على أن الشرائح الثقافية السياسية الكردية الواعية والمأمولة منها إنقاذه لا تزال في أطوارها الأولى، وأضعف من حمل قضيته، وقدراتها لا تزال دون مستوى تلبية مطالبه. وبالمقابل وفي دخيلة نفسه بلغ حافة التأكد على أن الحركة السياسية الحاضرة والمهيمنة على الساحة الكوردية، والتي لم تعد فيها الأمل، وأصبحت من مخلفات الماضي، وضجيجها غير مسموع إلا من الداخل الكوردي، قد تستمر ويتم فرضها على مقدرات حراكنا لمراحل طويلة قادمة، علما أنها لم تملك ولا تملك أبسط الإمكانيات لإنقاذ ذاتها من هيمنة القوى الإقليمية فما بالنا بإنقاذ الشعب، وليس لها القدرة الكافية للتخلص من دورها كأدوات بيدهم، كما وانعدمت فيها احتمالات ترك التخوين، وإلغاء الكردي الأخر، وعدم تصعيد الخلافات.
هذه السلبية في القناعات والسوداوية مبنية على ما أدركه شعبنا الكردي خلال سنوات الكوارث الماضية، ورؤية ما يجري على الساحة، وما تعلمه من المآسي؛ وقساوة الحياة المعاشة بين جدران خلعت عنها معالم الجمال والحياة؛ والتي تزيده هما وكدر.
فعلى خلفية ما نلتمسه، ونراه، وما تورثه أحزابنا من اليأس، نجد أن توضيح قناعتنا بالقادم المتوقع نحو الأفضل للشعب المعاني وتبيان خلفيات أملنا بمستقبل زاهر لقضيتنا، ضروري بقدر ما هو مؤلم حاضرنا، فنكاد أن نكون على قناعة أن الواقع الكارثي المهيمن، لن يستمر، والمؤشرات عديدة، وجلها تبين على أن الجاري سيزول، والإعلام العالمي المتناول لقضيتنا الكردية بشكل مستمر، ستمطر خيرا، والأرض التي دمرتها جحافل الأشرار ستعود إليها الحياة. فإلى جانب الدعم الدولي؛ وتمسك بعضه بجغرافيتنا، بدأت تظهر بوادر صعود لحراك داخلي بديل عن الحاضر الموبوء، فهناك شريحة من المثقفين والسياسيين الكرد الذين بدأوا يتناولون القضية بأبعادها الوطنية وعلى سويات مفاهيم حضارية واستراتيجية عالمية، إلى جانب أن أغلبية المجتمع ينبذ، ومنذ سنوات، الخلافات الجارية بين القوى الكردية، وغيرها من العوامل الذاتية والموضوعية التي تؤكد أن قادم كوردي مبهر سيحل محل الكوارث التي حلت بشعبنا في جنوب غربي كوردستان.
فمثلما، كثيرا يكون الفشل بدايات النجاح، كذلك تخبص أطراف الحراك الكردي المتصارع مؤشر على زواله؛ وولادة حركة واعية تملك الرؤية القوية والصحيحة لمستقبل أمتنا. فساذجة الحاضرة وجهالتها في العديد من المجالات، كانت من أحد أهم أسباب اليأس المهيمن على شعبنا، كما وهي المتهمة إلى جانب الأعداء بحدوث نكساتنا المتتالية، ولا نستبعد فيما لو استمرت على هذا المنحى أن تؤدي إلى خسارتنا لجميع المكتسبات التي حصلنا عليها، وتوسيع حجم الكارثة الجارية، ولربما هدم إرادة الأمة.
لا يعني هذا مطالبتها حل ذاتها، والذي لن يحدث، بل ومن السذاجة توقع حدوثه، أو الإتحاد بين بعضها، أو ظهور أحزاب وتشكيلات سياسية جديدة، ولا مؤتمرات وطنية أو حزبية أو تجمع أحزاب، يكفي أننا ولجنا مرحلة النهضة الفكرية لكلية المجتمع، مدعومة بمجموعة تنويرية ثقافية، وسياسيين على مستوى ثقل الأمة، علماً أن نوعية الحراك المتوقع لا يزال غير واضح، لكنها ستكون النبوة، مثلما تؤشر المسيرات السلمية الجارية على عصر النهضة القادم إلى الشرق. ولكن يبقى الفرق بين الثورة الكوردية عن غيرها في منطقتنا، أننا نبحث عن الذات القومية الحضارية، وهم يطالبون بإسقاط الأنظمة.
لذلك فعندما نطالب، بعدم اليأس من مجريات الواقع على الأرض، خاصة من الناحية الديمغرافية، والشك بأفاق قضيتنا، ندعمه بتحليل لمجريات الأحداث ضمن منطقتنا والتي أصبحت مركز اهتمام دولي، ولا نظن أن منابع النفط فيها هي التي تجذب كل هذه القوى، ودفعت بأمريكا وروسيا إقامة معسكرات متجاورة، وتسيير الدوريات على الطرقات ذاتها، مع القوى الإقليمية التي تحاول الاختلاس منهم قدر ما تستطيع، كتركيا التي تعمل المستحيل لتحويلها إلى قبرص ثانية، سكانها من العرب وإدارتها من القوى التكفيرية المنسقة ضمن قائمة الإرهاب لدى أمريكا وروسيا معا، ومع السلطة السورية التي تعمل الكثير لعودة مربعاتها الأمنية، ومع إيران الباحثة بكل السبل لإيجاد موضع قدم لها هناك.
ونتوقع أن تتجاوز قضيتنا القومية هزالة الحراك الكردي المتشتت والمستهلك أوراقه، ومعها الأقليات الموجودة في جنوب غربي كوردستان، اللاهثين وراء القوى الكبرى والإقليمية فرادى، أملين بدعم ما لأحزابهم قبل أن تكون لأمتنا المعانية، إلى درجة أصبحوا لا يعرفون أي القوى يمكن الثقة بها، والتي ستعترف بهم، ومع من ستجد مصالحها، وأيها ستحميهم من شرور القوى الإقليمية، متناسين القضية إلى ما بعد إثبات الذات الحزبية، والتي تدركها أمريكا وروسيا، ولهذا فعلى الأرجح ستحل قضيتنا حسب مسارات علاقات دولية بغيابهم كأحزاب أو قوة كوردية.

التعليقات مغلقة.