المجلس الوطني الكوردي في سوريا

د. محمود عباس: ماذا قدم الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا

59

 

من الأخطاء الشائعة قياس الحراك الثقافي بالسياسي، من حيث التنظيم، وكثرة الاتحادات، أو عدد الجمعيات، أو المنظمات، ففي حال لم تهدر نشاطاتها ضمن الصراعات الداخلية ولم تنجر إلى الخلافات الحزبية، تستطيع وبخلاف الحراك السياسي القيام بالفعاليات والنشاطات الثقافية المتنوعة باستقلالية.
فكثرتها نعمة وليست نقمة، رغم أننا نقدنا الخلافات والانشقاقات سابقا، ولأبعاد معينة، فكل تنظيم يستطيع أن يؤدي دور ما في المنطقة الذي يتواجد فيه، ويستطيع إصدار منشوراته ونتاجاته الفكرية المتعددة، ويخدم القضية الوطنية والثقافية في جغرافياته، وضمن شرائح من المجتمع الكردي أو المتعايش معه، شريطة ألا تتعارض مع فعاليات الأطراف الأخرى ونشاطاتهم، أو تنتقص منها.
مر الحراك الثقافي الكردي بمراحل صعبة، مثله مثل الأطراف الأخرى من الحراك، عانى ولا يزال يعاني العديد من المصاعب، فمنذ أن تبلور وظهر على الساحة بنشاطاته المتواضعة (كنشاطات الأمير جلادت بدرخان بعدما صدمته المواقف السياسية للقوى الخارجية التي كانت تتناول القضية الكردستانية حينها، والذي تمكن رغم الإمكانيات الهزيلة من وضع اللبنات الأولى لحركة تنويرية كردية وكردستانية حسب مقاسات عصره والوعي الثقافي لأمتنا حينها) تتلكأ في معظم مهماته إما على خلفية العراقيل العديدة من قبل المتربصين بالأمة، أو لعوامل داخلية، ومن تلك الإشكاليات أنها ظلت، كحركة قومية، محصورة في شخصيات معنية، وضمن جغرافيات ضيقة، وظلت على مدى عقود تابعة للحزب أو للأحزاب بعد الانشقاقات، وخدمتهم قبل خدمة الوطن.
لربما كانت أكثر استفادة حينها، في جنوب غربي كردستان لو وجدت العشرات من الجمعيات والمنظمات الثقافية، بعكس كثرة الأحزاب، ورغم اختلاف الظروف اليوم وحيث انعدام الزمكان مقارنة بمرحلة الأمير جلادت بدرخان، تظل كثرتها، وفي مرحلتنا هذه غير مضرة، وستزداد إيجابية لو نشأت بين بعضها نشاطات مشتركة، أو تعاون ما في مجالات معينة. ومن المناسب أن تكون لكل مدينة كردستانية أو أوروبية تنظيم ثقافي خاص بها، خاصة ووعينا الثقافي اليوم أمام مرحلة قد تكون مصيرية، وعلى عاتق حراكنا تقع مهمات التوعية، وتوضيح المجالات الوطنية العديدة، وتنوير المجتمع، وعلينا ألا ننسى أن كل شريحة من شرائح أمتنا تحتاج إلى نهضة ثقافية معينة.
لو نحن الخلف على سوية المهام الملقاة على عاتقنا، والتي بدأتها روادنا من الحراك الثقافي، لأصبحت أمتنا اليوم على عتبات ثقافية مشهودة لها عالميا، ولكن ولإدراك القوى المحتلة لكردستان لهذه الجدلية، ولمعرفتها أن للمجتمع الكردي إمكانيات خام بإمكانها أن تفعل الكثير فيما لو سمحت لها بالنهوض، عملت بكل جهودها للحد منها، إلى جانب بعض العوامل الداخلية، وعليه ظل حراكنا الثقافي مختصرا على شخصيات معينة تائهة بين الأحزاب والثقافة، وكانت هذه من أحد الطرق المتبعة في حصرها، وعلى أثرها ظل الحراك  الثقافي في العتمة على مدى عقود طويلة، وهي لا تزال تعاني بشكل ما من الإشكاليات ذاتها، أي التبعية للحراك السياسي وليست الريادة وتنويرها أو على الأقل القيام بدور الاستشارة، والسبب هي مواجهتا للعديد من المصاعب، بعضها رافقت الأمير طوال حياته، ومنها كانت: مادية، واليوم أضيفت إليها القضايا التنظيمية، واضطرار البعض الانجرار وراء الأطراف السياسية الكردستانية، وهذه الأخيرة تضعف من إمكانياتها في حمل إشكاليات الأمة، وقدراتها على تنوير الشارع الكردي بالرؤية الصحيحة، وتسهل تدخلات القوى المعادية للكورد.
جميع المصاعب المذكورة موضع جدل، لربما سنحتاج إلى ملفات طويلة، وسنتعرض إلى مواجهات لا يحمد عقباه، في مرحلة أصبح النقد عاهة، والتحيز السياسي خدمة وطنية، والطلب إلى العقلانية والتمسك بالوطنية تخاذلا، أو قلة جرأة، إن لم نقل أن البعض يصفونها بالانتهازية، وجميعنا نعلم كيف يتم وصف المثقف بأوصاف متنوعة معظمها سلبية، مع ذلك تبقى إشكالية عدم التقارب أو القيام بالفعاليات المشتركة من أحد أهم السلبيات التي يواجهها حراكنا الثقافي، ونحن هنا لا نطالب بتوحيد الاتحادات  والتنظيمات، ولا بديمومة الفعاليات، بل بمساعدة البعض في نشر المفاهيم الوطنية، والدعاية للنشاطات الثقافية أي كانت الجهات، شريطة أن تدرج في خدمة الأمة والوطن وليست للأحزاب وخلافاتهم، وقد شاهدنا في الشهور الأخيرة العديد من هذه النشاطات التنويرية في الوطن وفي أوروبا، وللأسف كان التعاون والتبادل الإعلامي هزيلا، وهنا يحضرنا نشاطات وفعليات الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الكورد في سوريا العديدة في كل شهر.
فالإتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا، كانت من بين المنظمات الثقافية الأكثر نشاطاُ في الداخل والخارج، ولأسباب لسنا بصددها الآن، تعد من بين أكثر المنظمات الثقافية حضورا في أوربا، بنشاطاتها وفعالياتها، رغم أنها تعاني من كل الإشكاليات المذكورة سابقاً. فمنذ نشأتها باسم الرابطة، مثلها مثل البعض القليل من الأطراف الأخرى، أصرت على عدم التبعية للأطراف السياسية، بل سخرت خدماتها لتصحيح مساراتها، وتنوير المجتمع لئلا تنجر إلى الخلافات الحزبية، وما يميزها أنها ظلت رغم كل المصاعب، وأولها وأصعبها المادية، على استقلالية الرأي والمواقف، ونحن هنا نتحدث عن الرأي الجمعي لها كمنظمة ثقافية، وخاصة في المواقف الوطنية الكردستانية، والتي على خلفيتها تم التعتيم الإعلامي على نشاطاتها وفعالياتها العديدة، من قبل إعلام القوى والإدارات الكردستانية، في داخل الوطن أو في الخارج، وخاصة في أوربا، ونلاحظ أنه لا يمر شهر وإلا يكون لها نشاط أو فعالية أو أحياء لذكرى أديب أو فنان أو شاعر أو شخصية وطنية، أو ندوة ثقافية، وهي تقدم كل ذلك بإمكانيات أعضاء الهيئة الإدارية، وحتى الآن لم يفرض الإتحاد العام على أعضاءها الاشتراكات الشهرية، ولم تطلب كمنظمة معونة من الجهات السياسية لئلا تفرض شروطها.
لا شك التنوير من أصعب وأهم مهمات الحراك الثقافي الكردي، وتتطلب العقلانية في تناول قضايا الأمة، وحيث الصراعات السياسية الداخلية، وتدخل الأيادي الخارجية فيها، ومحاولاتهم العبث بالحس الوطني لدى العامة من الشعب قبل النخبة، ولحمل هذه المهمة كان لا بد للاتحاد العام انتهاج مسار صعب، وهي استقلالية الرأي في قضايا الأمة، وعدم السقوط في هوة الخلافات التي حدثت بين أطراف الحراك الثقافي، حول إشكاليات عدة، وأهمها التنظيمية، ووقفت بحدة ضد قضية الفصل بين الخارج والداخل المثارة بين فينة وأخرى وعلى خلفيات سياسية، ولم تتقاعس في شرح السلبيات الناجمة عن التمايل إلى مسارات الحراك السياسي، في كل مراحل بناء الوطن.
كان الإتحاد العام، ومنذ أن كانت رابطة، تفضل التعامل مع كل التنظيمات الثقافية الكردية والكردستانية، وخاصة المتواجدة في الوطن، إما من خلال الهيئة الخارجية، أو من خلال فروعها داخل الوطن، وهنا لا نتحدث عن الكمية، حتى في المرحلة الذي كان هو الوحيد على الساحة، بل عن النوعية في العمل والتعامل، والحضور الثقافي، والنشاطات، والفعاليات، وقد وقفنا على كل الانتقادات الموجهة لنا كهيئة إدارية، ولجريدتنا بنسختيها الكردية والعربية، وقد وجدنا معظمها نابعة من الحرص على تقديم الأفضل، وتغاضينا عن النكدية منها، والنقد في مجمله مركز ترحيب دائم، بل وكثيرا ما نراه من ضروريات النجاح في العمل.
فعندما انتقدنا من قبل المجتمع على كثرة الاتحادات، والتنظيمات الثقافية، ورغم قناعتنا أن سلبياتها أقل من إيجابياتها، وهي ليست كالسلبيات التي ترافق الحراك السياسي، وجدنا من الضرورة مناشدة الأطراف الأخرى من حراكنا الثقافي، ليس للوحدة، بل للعمل معا في رفع سقف فعالياتنا إلى سوية التنوير العام، وتكثيف الجهود لتوسيع حلقات النشاطات، وإيصالها إلى أكثر عدد من أبناء مجتمعنا، لأننا على قناعة أن مجتمعنا يحتاج إلى نهضة حضارية فكرية سريعة، وتوسيع معارفه، وتنويره بعدم الانجرار إلى الخلافات الحزبية، ونحن نلاحظ أن أغلبية المجتمع الكردي ينتقد صراعات الأحزاب، باستثناء شريحة متلاعبة بمداركها، وبالتالي إرشاد الحراك السياسي، ومحاولة إنقاذه من الإملاءات الخارجية، وإقناعه أن تجميع الإمكانيات الوطنية ستساعده على أن يكون أدوات سهلة بيد الأخرين.
لا شك هذه ليست من مهام الإتحاد العام وحده، وليست هي فقط من تتبناها، وليست الوحيدة في تقديم النشاطات والفعاليات، والقيام بالدور التنويري، فمن خلال مراقبتنا للشارع الكردي والساحة الثقافية، نشاهد أن هناك العديد من الأطراف تؤدي دورها في هذه المجالات، حتى أن بعضها فردية، ولكن ما نطمح إليه كـ (الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكورد في سوريا) والأطراف الثقافية الأخرى مساعدة بعضنا البعض، وتكثيف الجهود المشتركة بيننا، الاتحادات والمنظمات، وبين الداخل والخارج، لتطوير ذاتنا أولا، وإذلال مصاعبنا، ومن ثم نقل نشاطاتنا وفعالياتنا إلى سوية تنوير أمتنا، وتصحيح مسار حراكنا السياسي.

التعليقات مغلقة.