المجلس الوطني الكوردي في سوريا

فساد المؤسسات وثقافة التكنوقراط…!!

69

للكاتب : صالح المّلا

قبل مدة قصيرة سُئلت إحدى الوزيرات في الحكومة اللبنانية على آي مبدأ اصبحتي وزيرة؟؟

كانت إجابتها بانَ لديهم علاقات عائلية مع عائلة العماد ميشال عون رئيس الجمهورية، أي إنها لم تكن في المنصب الذي استلمته بناءً على كفاءة أو تحصيل علمي أكاديمي يمكنها من أستلام مؤسسة تتبع لاختصاصها ونتيجة لذلك نرى الوضع في هذا البلد يتجه نحو الانهيار يوماً بعد أخر نتيجة الابتعاد عن ثقافة التكنوقراط وتبني ثقافة الاقربون أولى بالمعروف.

في الحالة الكوردية ( كوردستان سوريا ) التي هي أساساً في طور التأسيس وتحتاج الي توظيف إمكانات شبابها المتعلم والمختص في المواقع الصحيحة وتبني ثقافة التكنوقراط في بناء مؤسسات عملية نستطيع الإعتماد عليها لاحقًا لبناء مجتمع كوردي متجانس من كافة النواحي،

الملاحظ في الحالة الكوردية اأن السياسة المُتبعة في توزيع الكفاءات بين المؤسسات الحزبية لا تتعدى كونها ثقافة الارضاء عبر تعيينات لا تمد إلى  ثقافة التكنوقراط بأي صلة حتى ، إن صلة الوصل بين المنصب أو الوظيفة ..الخ والشخص الذي يتبوأ ذلك الموقع، الصلة التي تجمع بينهما هي نفس العلاقة التي يحاول العلماء اثباتها منذ مئات السنين عبر محاولاتهم أكتشاف وجود علاقة نمط للحياة على كوكب المريخ ، وبالتالي فان التعيين العشوائي في كل الأماكن يجعلنا أمام طبقة مستلمة لمراكز لها تأثير مباشر على الواقع العام فهذه الطبقة وعند أول انعطافة جدية تلامس جوهر طبيعة عملهم تجعل من عيوبهم الاختصاصية تطفو الى السطح ويبدأ من هنا الانهيار البطيئ للمؤسسة التي يعمل ضمنها،

لا ينطبق هذا التوصيف على كل الحالات ولكنها الاغلبية،
أما مَنّ تمكن من العمل ضمن اختصاصه فهو إما أنهم لا يملكون بديل عن ذلك الشخص المختص أو ان ذلك المركز لن يُفعل إلا إذا كان على رأس عمل ذلك المكان شخصٌ مختص ذو كفاءة عالية وهي حالات نادرة لا تكاد تتجاوز أصابع اليد العشرة.

عند استلام البريطاني ( بادي اشداون ) الذي كإن موكلًا من المجتمع الدولي ليحكم دولة البوسنة بعد الحرب الاهلية وبما ان الدولة وقتها كانت مليئة بالأحزاب الطائفية التي كانت قد بنيت كل مشروعيتها وسلطتها على عملية الفساد لم يقم اشداون باصدار القرارات التقليدية كتعديل بنود الدستور أو ما شابه ذلك بل أصدر قراراً بطرد كل القضاة في نفس اليوم بعد ذلك قام بعملية فلترة لهم وبدأ كل قاضٍ بتقديم سيرته الذاتية وقامت الدولة بإجراء مقابلات جدية معهم لمعرفة المؤهلات التي تمكنهم من الحصول على الوظيفة المناسبة، النتيجة كانت إن أكثر من سبعون في المائة من القضاة ذهبوا إلى بيوتهم وأُدخِلَ فقط ما تبقى منهم في السلك القضائي من جديد أتْبعها بخطوات إصلاحية أخرى أوصل البوسنة من دولة مُمزقة أثقلت كاهلها الفساد والحروب الاهلية نحو طريق الدخول إلى  الاتحاد الاوروبي.

عملية الإصلاح لأي مؤسسة تبدأ عند توظيف أصحاب المؤهلات في المراكز الصحيحة وهي بدورها تقوم بتوظيف تلك الإمكانات في خدمة المهام الموكلة إليها، النظرية الاصح التي يجب أتباعها هي بناء عقد أجتماعي جديد بين شرائح المجتمع على قاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب والتعامل مع المؤسسات بروحية الانتماء إليها وليس روحية توظيفها في خدمة العلاقة المصلحية بين المؤسسة والشخص الذي يعمل ضمنها.

الملاحظ في غالبية المؤسسات الكوردية ان العلاقة المصلحية بين المؤسسة والفرد تجاوزت حد التعيين على مبدأ الاقربون أولى بالمعروف بل وصل الى مستوى يمكن تسميته بالابتزاز السياسي في أغلب الاحيان، وهنا يكمن جوهر عملية توظيف الكفاءات في الاماكن المناسبة إذ آنَ العلاقة المصلحية بين الفرد والمؤسسة مهما طال بها الزمن فأنها الى زوال في نهاية الامر، فكل طرف منهما يعلم علم اليقين إن الانسجام المؤقت الحاصل بينهما لن يستمر وبأن الكفاءات المهمشة والتي وضعت خبراتها العلمية والتقنية على رفوف نسيان التقدير والتبني لها، هي التي ستستلم دفة العمل المهني المختص القادر على إيصال صورة صحيحة لجوهر ذلك العمل،

تبني القدرات والمؤهلات من ذوي الاختصاص الاكاديمي والتي باعتقادي أن المجتمع الكوردي مكتظ بها هي أولى الخطوات على طريق بناء مؤسسات سليمة وصحية والتي ستكون حجر أساس للاجيال القادمة وهي تحضير مسبق لجيل يستطيع مواكبة العصر التكنولوجي والتقني الذي بات يسيطر على كل أركان مفاصل الحياة،

الفساد المستشري في أي دولة أو مؤسسة يودي بها إلى  انهيارات لا نشعر بها إلا بعد فوات الأوان،
وتوكيل المهام إلى  اشخاص بعيدون بسنوات ضوئية عن الوظائف الموكلة إليهم هو تدمير ذاتي بطيء وممنهج لتلك الوظيفة وهي بطريقة أو أخرى، عملية تشوه خلقي لتلك المؤسسة التي لن تستمر إلى  ما لا نهاية، وبالمحصلة سيكون مصير تلك المؤسسة الموت السريري.

الدول تُبنى على الإدارة عندما بنى ( لي كوان يو ) سنغافورة قال أنا بنيت الدولة لأنني أتيت بخيرة المجتمع الى الإدارة، وجعل الشخص يستلم في المؤسسات ذات الراتب الذي كان يستلمه في المؤسسات الخاصة وهذا بحد ذاته يعتبر بناء ناجح لعقد اجتماعي متوازن بين شرائح المجتمع، فإدارة التعيين الصحيح والممنهج للكفاءات يعتبر خطوة عملية نحو بناء مؤسسات رصينة قوية تستطيع إنجاز مهامها بكل حرفية وتقنية عالية المستوى،

الملاحظ إن أغلب التوظيفات في المؤسسات الكوردية لا يعتمد على التقنية ولا يستند على معايير علمية أكاديمية وإنما تعتمد بمجملها على التوظيف السياسي وثقافة الأسترضاء والاقربون أولى بالمعروف، هذه العملية البائسة في بناء المجتمعات والكيانات والمؤسسات أثبتت فشلها في جميع التجارب السابقة وستثبت عُقم تفعيلها لاحقًا.

( المقالة تعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع  )

التعليقات مغلقة.