المجلس الوطني الكوردي في سوريا

اكرم حسين : ..بانتظار العرس الكوردستاني ..

67

يحاول صقر كوردستان وبخطى ثابتة كعادته، أن يوصل سفينة الشعب الكوردي على بر الأمان عبر الدعوة إلى الاستفتاء في 25سبتمبر/أيلول القادم مع الأحزاب الرئيسية في كوردستان، واستنهاض الشارع الكوردستاني الذي قدم مئات الآلاف من الشهداء والعشرات من القرى والقصبات المدمرة، وبات اليوم تحت ثقل الصراعات الحزبية والسياسية والتدخلات الإقليمية في شؤون الإقليم، فقد كان من الأسباب الداعية إلى الاستفتاء على تقرير مصير كوردستان.

الضغط الذي مارسته بغداد على حكومة الإقليم لإسقاطها وإعادتها إلى الحظيرة العراقية، بقطع مستحقاته المالية ومصادرة شحنات النفط الصادرة، ومحاولة داعش الهجوم على أربيل الذي أدخل الإقليم في أزمة اقتصادية وهوياتية، رغم التصدي البطولي  لهذا الهجوم البربري من قبل البشمركة بقيادة البارزاني الذي قضى جل وقته في الجبهات.

وقد لامس كل ذلك عصب الهوية العالي , ليس لدى كورد العراق فقط ، بل لدى جميع الكورد في الأجزاء الأخرى وحتى في الشتات، وما الفاستيفالات التي تجري اليوم في أوربا، إلا نوع من هذه الطاقة الكامنة والروح العالية التي يحتويها الكوردي بغض النظر عن انتمائه للمكان .!

أدى اقرار الاستفتاء إلى معارضة حركة كوران له، وتحريض الشارع ضده في صراع مكشوف مع الديمقراطي الكوردستاني، إلا إني اعتقد بأن الواقع يختلف كثيراً عما تحاول هذه الحركة فعله، لأن الديمقراطي الكوردستاني قد أسس قواعد ارتكاز في قلب كل كوردي يحلم بدولة كوردستان المستقلة، حتى وإن لم تكن مترافقة مع الديمقراطية التي يحلم بها كل كوردي.
الفارق بين الديمقراطي وكوران هو فارق في التوقع السياسي، لأن رهان الديمقراطي هو على الشعب وكلمته التي تجاوزت حاجة الديمقراطي للتعبئة والتحشيد، اما كوران فلها حساباتها الخاصة التي لا مجال لذكرها الأن  !

وسط كل هذه المعارضات الداخلية والخارجية يمضي الاستفتاء في طريقه بخطى ثابتة وثقة البارزاني بالشعب الذي من حقه ممارسة حقه في تقرير مصيره والعيش بحرية وأمان، وما التصريحات الأخيرة للبارزاني بأن كوردستان القادمة لن تكون دولة كوردية بحتة بل ستكون متعددة القوميات،والتأكيد على قيام دولة كوردستان التي ستكون دولة وطنية حديثة، دولة الكل الاجتماعي التي يتساوى فيها الجميع وفق أسس المواطنة المتساوية ، وهذا ما يؤكد السياسة المتسقة للبارزاني التي يعمل عليها من أجل كوردستان لا من أجل شخصه ،في تأكيده الأخير على عدم ترشحه أو أحد اقربائه لموقع الرئاسة القادم مع صحيفة عكاظ!

لا بد لكوردستان أن تلتفت لذاتها، وتكّون هويتها بعد سنوات من الاخفاق مع حكومة بغداد، رغم محاولات الإقليم التأسيس لعلاقة جديدة بعد سقوط صدام حسين في إطار الشراكة المتساوية والاتحاد الاختياري، لكن بغداد لم تستطع استيعاب  الكورد، بل حاولت ان تضغط عليهم وتعيدهم إلى ما كانوا عليه فقامت بقطع المستحقات وصادرت شحنات النفط، وادخلت الإقليم وحكومته في أزمة اقتصادية اضرت بأمنه واستقراره الاقتصادي، مما دفع البارزاني إلى ترتيب أوضاع الإقليم وإعادة هيكلة مؤسساته، بالاعتماد على الذات، والأخذ بمبدأ حق تقرير المصير والاستجابة لإرادة الشعب ،من خلال عملية الاستفتاء للتحرر والانعتاق من هيمنة وعسف الحكومة المركزية التي كانت تضع العصي في عجلة تطور الإقليم وتقدم كوردستان وصولاً إلى الاستقلال الوطني.

ما يجري في العراق وكوردستان ليس بجديد فقد تم تفكيك الاتحاد السوفياتي والفدرالية اليوغسلافية حسب إرادة شعوبها وبإشراف دولي، وفي اندونيسيا تمت الاستجابة إلى إرادة شعب تيمور الشرقية وتم تشكيل السودان على أساس الكونفدرالية، وبالتالي لا نعلم لماذا يعارض المجتمع الدولي إرادة شعب كوردستان في إقامة دولته المستقلة إذا كان هذا خياره الديمقراطي وهو الذي أقرهذا الحق لكل الشعوب والأمم من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين.

إن وضع الإقليم الحالي لن يسمح له بالإصلاح السياسي والاقتصادي ومراجعة الدستور والقوانين وطريقة الحكم والعلاقات الإقليمية، لكن من شأن الاستقلال وبالاستناد إلى الاستقرار القائم أن يؤدي إلى تحقيق نجاح سريع وبناء المؤسسات واستقرار الدولة وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين  لأن ما تعيشه كوردستان هو أشبه بوضع دولة، لكنه يفتقد إلى الاعتراف الدولي الذي إن تم سيفتح المجال للتعامل الدولي معه مباشرة،  وبالتالي دعمه اقتصادياً وتقنياً وعسكرياً ومالياً ويمنع عنه الحصار، ويساهم في دمجه مع العالم المتمدن عبر بناء المؤسسات المدنية وتحقيق الديمقراطية وتعزيز استقلال السلطات والقضاء !

أخيراً أن نجاح عملية الاستفتاء والسير نحو الدولة سينعكس إيجاباً على الكورد، ويخلق نموذجاً لحل المسألة الكوردية في الأجزاء الأخرى، وقد يدفعهم السير حذوهم، وهو ما يرعب ويخيف الانظمة الإقليمية التي الحقت أجزاء كوردستان بها، ويدفعهم للوقوف في وجه الاستفتاء ومعارضته، وفي هذا الإطار يمكن أن نقرأ التنسيق العالي الذي يجري اليوم ، بين النظامين التركي والايراني.

 

 

 

التعليقات مغلقة.