المجلس الوطني الكوردي في سوريا

محمود عباس: مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً الجزء “الخامس والثلاثون “..

133

قراءة في كتابه: التكوّن التاريخي الحديث للجزيرة السورية.
التكرار والتناقضات:
23- الفصل الحادي عشر (مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا) دون الأقسام الملحقة بها، كالصراعات على السلطة في سوريا، ومشروع “كلاب” في لبنان وإسرائيل، وقضيتي نهر الليطاني والأردن، وغيرها من القضايا الدولية الحاصلة على العديد من صفحات هذا الفصل دون أن تكون لها أية علاقة بموضوع الكتاب، لذا سندرس الأجزاء الملغومة منها كالواردة في ص (608-600) حيث التناقضات بين عرض الحوادث كروايات لغاية مبطنة، وبين حقيقة المخططات والمشاريع الإقليمية والدولية، خاصة المدروسة من قبل بعض المنظمات اليهودية والدولية وباتفاقيات سرية مع حكومات عربية، لإيجاد حل لمشكلة الفلسطينيين الذين كانوا يبيعون ممتلكاتهم وأراضيهم للشركات اليهودية، والمحرفة من قبل الكاتب إلى خطط لتسكين اليهود في سوريا، وحسب استنتاجاته فالجزيرة الكوردية هي المعنية بالأمر، وفي الواقع واستنادا على المراجع المذكورة وغيرها، فإن عمليات شراء الممتلكات في فلسطين وبصفقات مغرية إثبات على أنه لم يكن لليهود نية خارج إسرائيل (الموطن التاريخي لهم) والحوارات جرت، والخطط رسمت، لأجل إبعاد الذين تم شراء ممتلكاتهم عن إسرائيل المستقبل، وإفراغها من الديمغرافية الفلسطينية، وحينها لم تكن النزعة القومية العربية متنامية بشكل كاف ليدرجوا الفلسطينيون ضمن قضايا القومية العربية، وعلى الأغلب تم التعامل معهم من البعد الإسلامي، لذلك شاركت بعض السلطات العربية وبشكل سري ولربما غير مباشر، في تنفيذ المخطط المقال أنه كان يهودياً-إسرائيلياً، ومعظمها لتسكينهم في مناطق الفرات الأوسط، وبادية سوريا والعراق، الخالية من السكان حينها، وللغاية ذاتها تمت دراسة مناخها من قبل لجان خاصة، كما وأن بناء إحدى الشركة اليهودية قصراً لمجحم رئيس عشيرة الفدعان، دليل على محاولة استمالته للمشروع المجاور لمنطقة مراعي عشيرته. وبشكل عام، لم تطرح الجزيرة الكوردية كجغرافية ضمن المشاريع أو المخططات المستقبلية تلك، لعدة أسباب: منها أنها لم تكن خالية من السكان كما يدعيه الكاتب في هذا الجزء والمتعارضة مع إحصائياته الواردة في الجزء اللاحق والمسنودة على مصادر مطعونة في مصداقيتها. كما وكانت للعشائر الكوردية هيبتها وقوتها وثقلها الديمغرافي مقارنة بديمغرافية سوريا والعراق في تلك الفترة الزمنية، ورغم عمليات التقسيم وحصر التحركات القبلية الكوردية جزئياً، لكنها لم تكن راضخة لأية سلطة خارجية رغم فرض الحكومات المركزية هيمنتها على المنطقة، ولهذا فالخوف من مواجهات مع القبائل الكوردية أصحاب الأرض كان حاضراً، وسوف لن يحمد عقباه. كما وأن الدول الاستعمارية ورغم عدم تحريك القضية الكوردية سياسيا وفي الأروقة الدبلوماسية العالمية المعنية بالأمر، إلا أنهم كانوا يعيرون الإشكالية الكوردية الديموغرافية بعين الاعتبار، وعليه فلم تكن الجزيرة الكوردية من ضمن المشاريع المدرجة، ورغم عرض الكاتب بعض الوثائق حول المسألة، لكنه لا يقوى في تثبيتها على جغرافية الجزيرة الكوردية، ولم يتوفق بدراسته هذه كغيرها من المسائل المطروحة سابقاً، وسقط ثانية في العشوائية الروائية بعرض المواضيع. ولربما إثارته لهذه المسألة، وتشديد العلاقة بين اليهود ومخططاتهم حول تهجير الفلسطينيين إلى الجزيرة الكوردية، لهدف خلق عداوة تاريخية بين الكورد وإسرائيل من جهة وتصعيد حقد السلطات العروبية على الكورد، وتبرئة الحكومات العربية الضالعة في القضية، وفي المحصلة تمرير فبركته التاريخية، على أن الجزيرة كانت شبه خالية من الديمغرافية الكوردية.
24- الفصل الثاني عشر (من موجة الهجرة الكوردية الثانية إلى نشوء مشكلة ” أجانب تركيا” )(1939-1962م) تعد من أهم القضايا الجدلية بين السلطات العروبية السورية والكورد، ومن المواضيع التي روجت لها عن طريق مربعاتها الأمنية، وتلاعبت بها وعلى المستويات العليا، وجندت لها أكاديميين وكتاب أمثال محمد جمال باروت الناشر فيها سابقا كتابا خاصا، والغاية هي إلغاء كوردستانية الجزيرة، أي عمليا إلغاء الجزء الجنوبي الغربي من كوردستانيتها، عن طريق الطعن في الديمغرافية الكوردية وتاريخها هنا، وهذا الفصل في الواقع هو لب المسألة التي من أجلها تم إعداد هذا الكتاب. رغم ما عرض من التاريخ المفبرك عن الكورد، إلا أن هذه الدراسة، والمماثلة لها، تفرز من ضمن الأكثر ضرراً بالكورد سياسيا واجتماعيا في سوريا. ولهذا توجب علينا الوقوف عليها ثانية، وإعادة التذكير ببعض النقاط، ومنها الإشكاليات التي يجب البحث فيها بمنطق مغاير كليا عن المنهج المعروض من قبل الكاتب، مع ذلك سنركز على بعض الأمثلة التي يناقض فيها الكاتب ذاته، ومنها ما ورد في الصفحتين (695-694) حول عدد سكان الجزيرة لعام 1963م والمقدرة ب 316 ألف نسمة، علماً كان قد ذكر سابقاً أن عدد البدو المخطط تسكينهم فيها بلغوا في عام 1943م قرابة 150 ألف نسمة إلى جانب الحضر منهم والمقارب لنفس العدد، وسبق وقال في الصفحة (636) أن نسبة سكان الجزيرة (المسجلين) بلغت 155 ألف نسمة عام 1948م، ولربما لم ينتبه الكاتب وحسب أرقامه أنه بين أعوام 1983 و 1948 و1963 نرى أن سكان الجزيرة لم يتغير! رغم إضافته الحضر من القبائل العربية، (وفي الواقع نسبة سكان العرب كان أقل من المذكور بكثير، والحضر من القبائل العربية كانت شبه معدومة حتى الأربعينيات، والكوته البرلمانية تثبت عليها، وظلت كذلك حتى بداية الخمسينيات من القرن الماضي عندما أنقصت كوتة الرحل دون أن تلغى) واستنادا على هذه النسب، والمقاربات السكانية للمنطقة فلا يوجد للكورد وجود ديمغرافي في الجزيرة حتى عام الإحصاء المشؤوم عام 1962م لا حضر ولا رحل! والسؤال من أين تم إقصاء 150 ألف كوردي من الإحصائيات الرسمية؟! وهي كما ذكرت في السجلات الحكومية لاحقا، وفي الأدبيات الكوردية، كانت تعادل الربع من الشعب الكوردي في الجزيرة! مع ذلك فالكاتب عرض في كتابه أن نسبة الكورد تضاعفت بعد الثلاثينيات، والسؤال تضاعفت من أية نسبة سكانية كوردية، ما هو الرقم؟ فحسب إحصائياته وجدنا أنه لا وجود للكورد في الجزيرة! متناسيا في جانب آخر، أن سكان الجزيرة وسوريا، بناءً على إحصائياته أيضا، تضاعفت في الفترة الزمنية ذاتها. ألا يدل هذا على، أولا، أن العشوائية في سرد الأرقام تجاوزت المنطق وتثبت على خلوها من المصداقية. وثانيا، حتى ولو أخذنا الأرقام كدراسة علمية! سنجد أنه لا وجود للكورد في المنطقة! فمن أين تم تجريد 150 ألف كوردي! وهل تم تجريد جميع الكورد أم أنه ظل حسب ما هو معروف حسب السجلات الحكومية قرابة الثلاثة أضعاف، ولنفترض جدلاً الضعف، فأين هؤلاء من 316 ألف من عدد سكان الجزيرة عام 1963م والتي كان العرب الرحل مع الحضر، كما يقول الكاتب في الصفحات المذكورة، حينها أكثر من هذا العدد! أم أن الكرد لم يكن يعترفون بالسجلات الحكومية، بل أن الإحصائيات الواردة عن النسب السكانية في الجزيرة كانت عشوائية غير موثقة ولا قيمة علمية لها، ونسبة سكان الجزيرة ضعفي المذكور. وعلى الأغلب قامت مؤسسات أمنية أو مؤسسات لا علاقة لها بمراكز الإحصاء بعرض هذه الأرقام، ولا توجد وثائق تؤكد على أنه كانت هناك دراسات ميدانية، والمتعلقة بالقبائل العربية مضخمة، ولغايات سياسية واقتصادية تتعلق بتجريد الكورد أصحاب الأرض، وتسكين البدو القادمين من شمال شبه الجزيرة العربية. ومخططات الاستيلاء على أراضي الكورد وعمليات تحديد سقف الملكية لزعماء العشائر الكوردية وتمليكها للقبائل العربية، تمت لتمرير هذا المخطط، أي لإسكان القبائل العربية المهاجرة بموجاتها المتتالية إلى الجزيرة، وتهجير الكورد منها.
مع ذلك سنعود ونترك تناقضات الكاتب هذه وسنتحدث عن المسجلين في الدوائر التي لم تكن لها اعتبار يذكر حينها بين العشائر الكوردية، وعليه تم تجريد نصف سكان الجزيرة، البالغ عددهم 316 ألف نسمة حسب إحصاء عام 1963م كما يوردها محمد جمال باروت، من الجنسية السورية وقدروا بـ 150 ألف، وكما يذكر أن المسجلين كانوا ثلاثة أضعاف العدد (وهنا تظهر إشكالية بصورة أخرى، وهي أن الكورد أكثر من سكان الجزيرة المدونة، وأنه لا وجود للعرب في المنطقة، لا رحل ولا حضر، وفي الحالتين تظهر التناقضات الفاضحة) ولا شك أنه كان هناك مثل هذا العدد غير مسجلين ضمن سجلات الدوائر المدنية (كما يورها في الصفحات 682-684) وبالتالي لم يشملهم الإحصاء، والأسباب عديدة، سياسية وثقافية، موضوعية وذاتية. وبشكل عام وبعد مقارنة هذه التناقضات في الإحصائيات السكانية تفقد هذه الدراسة مصداقيتها، وتتبين أن الأرقام مفبركة وعشوائية ولا أهمية علمية لها.
إضافة إلى تلك الهشاشة يتناسى الكاتب (بغض النظر عن عدم التزام القبائل الكوردية بعملية تقسيم مناطقهم والتنقل كالسابق، وأن أية دراسة في الديمغرافية الكوردية من منطق الهجرة بناءً على الحدود المتشكلة بين الدول المقسمة لكوردستان مرفوضة وغير قانونية) أنه من المعلوم، واستنادا على نظرية مالتوس، فأن السكان يتزايدون حسب المتوالية الهندسية، وعليه فقد تضاعفت سكان سوريا، وكذلك الكورد خلال 20 سنة، خاصة بعد الثلاثينات من القرن الماضي، أي بعد توقف الهجرة إلى الخارج وتحسن الحالة الصحية، وتكررت بعد كل 15 سنة، فعلى سبيل المثال كان عدد سكان سوريا عام 1920م قرابة المليون والنصف، تضاعفوا خلال عشرين سنة رغم الهجرة إلى الأمريكيتين المأخوذة أكثر من ربعهم، وفي عام 1960م بلغ عدد السكان أكثر من 4,6 مليون نسمة وفي عام 1970م وصلت النسبة إلى 6,4 مليون. وعدد سكان الكرة الأرضية عام 1900م وهي الأعوام التي كانت لا تزال الأوبئة تجتاح العالم، كان بحدود 1,6 مليار نسمة، و2,5 مليار عام 1940م وبلغ عام 2000م 6,1 مليار. وبالاطلاع على المخطط البياني للزيادة السكانية في العالم سيجد القارئ أن الصعود الحاد بدء من بداية الثلاثينات في القرن الماضي، ولاشك حصلت إشكاليات كبرى على التنقلات السكانية بين مناطق كوردستان بعد تجزئتها، ففي الماضي كانت تنقلات العشائر في المنطقة فصلية لكنها كانت تشمل كلية جغرافيتهم الممتدة بين مراعيهم إلى أماكن تحضرهم، لكن بعد التقسيم ووضع الحدود السياسية حددت وحصرت تلك التنقلات، وتم الفصل بين المراعي والحضر للعديد منهم، باستثناء المجموعات التي كانت لهم حضر في الجنوب من الخط الحدودي المتشكل غبناً، ولا يمكن إدراج المجموعات أو أقسام من العشائر التي فضلت البقاء في الجغرافية الجنوبية أو أهاليهم المتنقلين بين جهتي الخط ضمن صفة الهجرات، لا الداخلية ولا الخارجية، وهذا الرفض تندرج على الذين اختاروا الانتقال من الشمال إلى الجنوب بعد عقد أو عقدين من التقسيم، لأنهم في الواقع لم يكن يؤمنون بالتجزئة، إلى جانب أننا هنا نتحدث عن حركة سكانية ضمن نطاق منطقة يملكونها تاريخيا.
وما يعرضه الكاتب والسلطات الداعمة له من الدراسات مبنية على خلفيات سياسية عرقية عنصري، يبغون من وراءها تثبيت عمليات التعريب واغتصاب المنطقة من أهلها بتاريخ مفبرك ووثائق مطعونة في قانونيتها، لذلك يخلقون الجدال حولها، علماً أن النقاش في كل أبعادها الوثائقية والتاريخية ملغية لأن القضية بحد ذاتها فرضت على الشعب الكوردي بشكل غير قانوني، وكان يجب عرض منطق الاغتصاب اللاشرعي للأرض الكوردستانية قبل البحث في إشكالية الهجرات المزعومة. وكل حوار على هذا المنطق غير قانوني ومرفوض ويسقط في صالح الأعداء، حتى ولو تم تفنيدها بدراسات مماثلة، لأن الفرضية المطلوبة عليها الحوار ملغومة، وهي تعني الاعتراف المباشر بتقسيم جغرافية كوردستان، وبها يتم تناسي منهجية التجزئة المبنية على تشويهات وتحريفات تاريخية وسياسية وديمغرافية، لهذا فهم يطلبون منا كحراك كوردي الجدال وعرض دراسات أكاديمية وشواهد على قضية مرفوضة سلفا، إلى جانب أن شواهدهم المفبركة، أولا، مبنية على القبول بواقع التقسيم والاعتراف بالدول المحتلة لكوردستان المتشكلة على خلفية المعاهدات الدولية المعروفة. وثانيا، وعلى أساس المذكور سابقا تعمل وتقدم السلطات الإقليمية المغتصبة لكوردستان وثائقها كجدلية مفروغة منها، وخاصة بعد تصاعد النزعة القومية العنصرية واحتلال كوردستان وتقسيمها إلى أربعة أجزاء.
والغريب أن الكاتب وفي الصفحة (706) يورد إحصائية ما بين عام 1959م وعام 1961م للسكان الكورد ويقول بأن الزيادة السكانية لم تتجاوز نسبة 1,9% ليؤكد على نظرية الهجرة، والقضية هنا ليست في هذه النسب، بل في كيفية حصوله عليها، ومدى مصداقية مصادره، ومعظمها مأخوذة من سجلات مؤسسات الدولة، دولة من العالم الثالث، سوريا والستينات من القرن الماضي، والتي لم يتم فيها أية إحصائية عصرية علمية شاملة، والتي جرت في عام 1962م تبينت من خلال التجريد العشوائي للكرد أنها كانت خارج المقاييس العلمية الدولية، ولا ننسى أن نسبة الأمية في سوريا في تلك الفترة كانت تتجاوز ثلثي السكان، وحكمتها سلطات عروبية متتالية قضت على كل ما يتعلق بالديمغرافية الكوردية. إلى جانب أن جميع أدلة الكاتب في الزيادة الأولى من السكان لم تكن بسبب الهجرة بقدر ما هي عملية عدم تسجيل الناس الذين كانوا أصحاب الأرض، علما أنهم كانوا حضر منذ عقود، لكنهم كانوا مكتومين ويتهربون من التسجيل لأسباب عديدة منها الضرائب، والخدمة العسكرية وغيرها.
يتبع…

 

التعليقات مغلقة.