المجلس الوطني الكوردي في سوريا

محمود عباس : مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً الجزء “الواحد والأربعون”.

163

مصداقية الباحث العربي

محمد جمال باروت مثالاً

الجزء الواحد والأربعون

 

  قراءة في كتابه: التكوّن التاريخي الحديث للجزيرة السورية.

التناقضات المتقصدة:

على خلفية استنادات الكاتب العديدة على مصادر مطعونة في مصداقيتها، ونقله لأحاديث تاريخية ملفقة أو تضخيم ما لا يدرج ضمن السياق التاريخي للكورد، يحاول خلق جهة ازدواجية متناقضة مبطنة لتحريف تاريخ المنطقة وتشويهها، ومن خلال التعتيم على الشخصيات الوطنية والقومية الكوردية، وإحلال شخصيات كوردية الأصل اشتهروا كدعاة إسلاميين، على مستوى كوردستان والجغرافيات المجاورة، أو شخصيات كانت مطعونة في وطنيتهم أو جهلاء أو كانوا يتميزون بضحالة في المعرفة القومية والوطنية، تشويه الماضي الكوردي والكوردستاني في الجزيرة.

ومن الملفت للنظر أنه لم يكن هذا الكاتب هو الوحيد في نشر هذه الإقترافات التاريخية، بل وظفت السلطات المقتسمة لكوردستان شريحة من الكتاب العروبيين العنصريين معه، وأسندتهم بدعم من مؤسساتها البحثية والثقافية، كالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات القطرية، ودعمتهم في مراكزها الإعلامية، إلى درجة تأثرت بها مجموعة من أبناء منطقة الجزيرة، خاصة البعثيين، أو المتشربين ثقافتها العنصرية. والأغرب انزلاق البعض من الكتاب الكورد إلى هذه الإشكالية، إما لضحالة معرفة طرق تناول تاريخهم المحرف أو لجهالة بأساليب تصحيحها، فأضافوا على ركام التحريف والتشويه أكوام من الأخطاء والسلبيات، والتي  من خلالها سيتمكن أعداء الكورد تمرير ما يطمحون إليه، من الطعن في تاريخنا، وبإسنادات من أقلامنا الكوردية، وبالتالي فصل أجزاء من كوردستان عن أصلها، والتعتيم على الوجود الكوردي التاريخي في الجزيرة، والبعض لتمرير هذه الأفة يستندون إلى تأويلات ذاتية تسقط أحيانا في خانة الإقترافات بالتاريخ الكردي، والتأويل فيه، وبهذه الطريقة هي كما يقول الكاتب (خالد حسين) في مقدمة كتابه (اقترافات التَّأويل) وفي الصفحة (5) ” لا تأويل بمنأى عن الخطيئة، بل إنَّ التأويل على عداوةٍ مريعةٍ مع فعل” البراءة” والحقيقة” ورغم أنه يسقطها على التأويلات الأدبية وفي الشعر تحديدا، إلا أن كلامه يشمل العموم، وحتى عندما يستخدم الباحث العربي أو الكاتب الكوردي المتغافل، التأويل لغاية تضخيم أحداث تاريخية ملفقة يساعد الإعداء الإسناد عليها في طعن التاريخ، والديمغرافية  الكوردية في الجزيرة، وجذورها الجغرافية.

لمدى عمق تأثير هذه المعادلة على تاريخ الجزيرة الكوردستانية، كان لا بد من العودة إلى صفحات سابقة من الكتاب الذي نتناوله للكاتب محمد جمال باروت، والإتيان بشهادة واضحة المعالم، كنا قد أوردناها في الحلقات الماضية، ونعيدها هنا لنسلط الضوء أكثر على ما يضمر له، مكتفين بأمثلة معروفة على مستوى كوردستان والدول المقتسمة لها، والتي فيها يحرف في الكثير مما يمس العمق القومي الكوردي، والتاريخ الكوردي بقدر المستطاع. ففي الصفحة (211) يكتب عن ثورة الشيخ سعيد بيران، وثورته، فيقول ” أنضم الشيخ سعيد النورسي (1876-1925) الملقب بـ “”بديع الزمان” وزعيم الطريقة النقشبندية الصوفية، في 13 شباط/فبراير 1925 في سياق الاحتكاك الذي قام بين رجاله والقوات التركية التي استفزته بدعوى القبض على رجال لجأوا إليه من الملاحقة، إلى الثورة التي ستحمل في التاريخ الكوردي اسم ” ثورة النورسي”. والواقع أنه أرغم على الثورة أكثر مما اختارها”” أهـ… ويتمم الكاتب، في خلطه المتقصد للتاريخ والتحريف المبطن، الحدث دامجا بين الشيخين الكورديين (النورسي والبيراني) فيقول في الصفحة ذاتها ” خلافا النخب القومية الكوردية الحديثة التي وقفت ضد ” الكتائب الحميدية “” التي شكلها السلطان عبد الحميد الثاني وأعادت حكومة ” الاتحاد والترقي” هيكلتها باعتبارها وحدات مشاة خفيفة مساعدة للجيش العثماني، كان النورسي من قادة هذه الكتائب إبان عمليات الحرب العالمية الأولى”” أهـ. وهنا نشاهد كيف يغير ما بين الشخصيتين وفي معظم المراحل التاريخية اللاحقة، ليس لعدم معرفة كما نظن، بل من جهة لتشويه سمعة زعيم الثورة الكوردية الشيخ سعيد بيران، ولا شك هذا ليس انتقاصا من مكانة الشيخ النورسي ” بديع الزمان” بل الكاتب بهذه الطريقة يود الطعن في الثورة والدعوة النورسية معا، لمكانة الكوردي النورسي، ولدوره في تأليب المجتمع هناك على الكماليين القوميين، وهذا ما قام به عندما أنقلب فيها عليه كمال أتاتورك ونكث في وعوده للكورد، والتي يرى من خلالهم الكاتب طعنا في القومية العربية التي يطمح أن تكون الفقه الإسلامي والصوفية محصورة في العرب فقط، فيتحسس من بروز كوردي في قيادة حركة إسلامية إصلاحية على مستوى الدولة الكمالية العنصرية، ومن جهة أخرى يعتم على الشخصية القومية الكوردستانية الثورية المعروفة الشيخ سعيد بيران.

ولربما لوجود هذه المعضلة والأفة عند المعادين للأمة الكوردية في الماضي أيضا، وكانت تدعمها السلطات المهيمنة على كوردستان حينها، كالصفوية والعثمانية وسابقا الخلافة العباسية والدولة السامانية الفارسية، وتعتيمهم على تاريخ الأمة الكوردية تحت حجة تطبيق مبادئ الإسلام والأمة الإسلامية، وما تم على خلفيتها من تعتيم وتحريف وتشويه على التاريخ الكوردي، نبه الأمير والمؤرخ الكوردي القدير شرف خان البدليسي قبل أربعة قرون، في كتابه (شرفنامه) الصفحة (51) المترجم من قبل السيد علي العوني، قائلا ” اعتزمت بمشيئة الله أن أجمع سفراً منفرداً خاصاً بهذا الموضوع، أضمنه ما أجده في التواريخ العامة من عربية وعجمية من الأخبار والروايات، وما قد سمعته وشاهدته من الوقائع والحوادث الهامة وأن أسميه باسم: شرفنامه وذلك حتى لا يبقى صيت الأسر الكوردية ذات الأثر الفعال في حياة كوردستان العامة في حجاب الستر والكتمان”.

وهذا ما يتطلب من الباحثين الكورد الذين يتناولون تاريخ الحركات الكوردية والشخصيات الوطنية، بعدم السقوط في التأويلات الذاتية المفتقرة إلى المنطق والمصداقية، واقترافاتها كما يقول الدكتور (خالد حسين) وينتبهوا إلى أن التضخيم في الشخصيات المضمرة تصبح أفة للتاريخ الكوردي، عندما تكون على حساب الشخصيات الوطنية والتي كانت لهم مكانة ودور في تطوير الفكر القومي والثقافة والروح الوطنية في المجتمع الكوردستاني، والآفة هذه تعد من السلبيات التي ينتظرها الأعداء لإسناد طعناتهم في التاريخ الكوردي ومن خلال الأقلام الكوردية…

يتبع…

 

التعليقات مغلقة.