المجلس الوطني الكوردي في سوريا

محمود عباس: مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً الجزء “السابع والثلاثون”..

156

قراءة في كتابه: التكوّن التاريخي الحديث للجزيرة السورية. 

التكرار والتناقضات:
26- في صفحات عديدة وعلى خلفية مواضيع متنوعة، يكرر الحديث عن الهفيركية، باسم الـ (الهويركية) إلى أن يأتي لاحقا على تنسيخ حديث ملقن كوردي، ويتعرض للدكشورية، ويعرضهما كعشيرتين وأحيانا كقبيلتين، وفي الصفحات التالية (247- 258) كتحالف، علما أنه ينوه أن العشيرة هي بمثابة القبيلة عند الكورد، وهنا مكمن الخطأ في جعل (الهويركية) الهفيركية والأخيرة هو الصح، والدكشورية عشيرتان، ذاكرا في الوقت ذاته أنهما، وفي معرض التحليل هنا فقط، كتحالف. والصفحات هذه بأسلوب عرضها وطريقة سرد الحوادث، والعلاقات بين العشائر الآشيتية الأربع الرئيسة، حسب مقولة الكاتب (حجي سليمانا، المحلمية، دوركا، وكاسكا) دون أن يعرف هو ولا ملقنه أن هذه العشائر تسكن منطقة سميت بمنطقة آشيتا، وكل العشائر الأخرى الساكنة ما بين قامشلو وحتى منطقة أليان يندرجون تحت هذه الصفة، وهم يختلفون في الانتماء حسب جغرافية شمال كوردستان، إلى المنطقتين، هفيركا ودكشوري، مع مرور الزمن أصبح يعرفان نظريا كتحالفين، وليست عشيرة هفيركا أو دكشوري، فلا توجد عشيرة بهذين الاسمين( بالمناسبة بمقارنة الأحداث والتغيرات الجارية في المنطقة، من تسميتها سنجقا خلف أغا وسيادته الإدارية، إلى سيادة عبدالكريم علي رمو عليها حتى العقد الأول من القرن الماضي، وما كان يجري من روايات في الدواوين سابقا، أن أشيتا كتسمية أقدم من هفيركا ودكشوري، ولوالي ماردين عن طريق ضباطه في نصيبين دور ما في ظهور التسميتين الأخيرتين وبروزهما لخلق خلاف دائم بين العشائر الكوردية في المنطقة التي كانت تسمى بطور عابدين). والحالتين مشابهة لتطورات الحالة من منطقة آشيتا إلى الآشيتا كعشيرة عند الأخرين، وخارجيي المنطقة يوصفون أبناءها جميعهم بالآشيتي، وهنا كذلك لا توجد عشيرة بهذا الاسم (أشيتي) فالعشائر الكوردية المنطوية تحت أسماء هذه المناطق عديدة، مع ذلك كانت لكل منها سيادتها ورؤسائها، ولم يقبلوا يوما بسيادة عليهم من خارج عشيرتهم. تتبين من خلال السرد العشوائي للكاتب، أن هذه الصفحات منسوخة من أحاديث شفهية عن قضايا تخص العائلات الكوردية وعشائرها، فيها الكثير من التلاعب والتحريف والتشويه لتاريخ المنطقة والعلاقات العشائرية، والكاتب بحد ذاته توسع فيها لغاية غير حميدة، استفاد من سذاجة وقلة إدراك الملقن، ومصدره، الكوردي على الأغلب، يضع الشكوك حول ذاته. هذا الخلط التاريخي، وتعميم وتضخيم تاريخ عائلة على حساب تاريخ المنطقة وعشائرها، تشبه عملية فبركته لتاريخ العشائر الكوردية في الجزيرة قبل ظهور القبائل العربية القديمة والحديثة، كما وهي طريقة خبيثة لإحياء ما فعلته السلطات العثمانية والتركية في المنطقة. أما من حيث تعريب الأسماء، إن كان متعمدا فهو لا يقل عن التحريفات التي حصلت لأسماء المدن والمناطق الكوردستانية على مر التاريخ، كتحريفهم لاسم (آمد) إلى ديار بكر، وشنكال إلى سنجار، وغيرها، وفيما إذا لم يكن متعمداً فهي ناقصة لكاتب يقدم ذاته كمختص بتاريخ المنطقة الكوردية، الجزيرة وعشائرها بشكل خاص، وعليه تكون مصداقيته والمعلومات التي يقدمها ومراجعه مرة أخرى محل تساؤل بل ومطعونة فيها. كما وتتبين من خلال المعروض أنه لا يعلم أو يتقصد على نشر هذا الخطأ، وهي أن منطقة تواجد هذه العشائر هي ذاتها على طرفي الخط الحدودي المتشكل بين سوريا وتركيا، فعرضه لهم وبحثه فيهم وبشكل منفصل وكأنهم ثلاثة عشائر أو تحالفات عشائرية مختلفة (آشيتا، تصريف من كلمة آشتي، تعني السلام، وكانت نتيجة لاتفاقية جرت بين عشيرتي دوركان والطي العربية بعد مناوشات بينهما في بدايات مرحلة تمدد القبائل العربية المهاجرة من حائل إلى مناطق جنوب الجزيرة الكوردية، والهفيركية تعني المتعاونون، والدكشورية تعني السيف المسلول) دلالة واضحة على ضحالة معرفة الكاتب بمجريات تاريخ المنطقة وشخصياتها، وهنا يتناسى ما أورده في المقدمة عن تقسيم الجزيرة الكوردستانية، مرابع العشائر الكوردية ومن ضمنهم المذكورة، بين سوريا والعراق وتركيا الكمالية. والغريب هو ما يورده من التناقض بين الصفحات التالية من هذا القسم وخاصة في الصفحة (695-696) والـ (696-697) ففي الأولى عن هجرة العشائر الكوردية وعرضها هنا بطريقة الاعتراف، إما غير المباشر، بكوردستانية الجزيرة، أو تماشيا مع المقدمة، معتبرا أنها هجرة خارجية (داخلية) فيقول ” يعود هذا الارتفاع في معدل النمو السكاني إلى عامل الهجرة الخارجية (الداخلية) أكثر مما يعود إلى معدل الزيادة الطبيعية” معتبرا هنا وبشكل غير مباشر كما ذكرنا، أن الجزيرة جزء من كوردستان الكل، ولهذا يعتبرها هجرة داخلية، لكن هذا لا يزيل غطاء تلاعبه وشريحة من المثقفين العروبيين والسلطات الداعمة لهم، بالقضايا الديمغرافية والسياسية والاجتماعية الكوردية، وفي الثانية يقدمها بعكس المقال سابقا عندما يقول ” في النصف الأول من الخمسينات كان جزء من الدرسميين المجتمعين حول ديار بكر، والآلاف من أبناء العشائر المليّة والهويركيّة والكيكية والدقورية والشيتية وبينار علي وأطراف بوشهر قد انضموا إلى عشائرهم وأقاربهم المستقرين في الجزيرة إما بشكل دائم أو موسميٍّ، وكانت الأعداد الأكبر مؤلفة من الهويركييّن والملييّن الذين مثلوا الكتلة البشرية الأكبر على طرفي الحدود، ثم شكلوا الكتلة البشرية الكوردية الأكبر في الجزيرة” إلى جانب عدم الصحة في المعلومات حول الهفيركية، وجعلها الكتلة الأكثر في الجزيرة مصغرا بها دور العشائر الأخرى في المنطقة، كالكوجرا على سبيل المثال، يعود ويعتبرها هجرة خارجية، أي ينكر جغرافية كوردستان المقسمة، وبناءً عليها يفصل بين الهفيركية والأشيتية، ويجعل الأولى عشيرة قائمة بذاتها، وكما ذكرنا فلا أحد في المنطقة يقول أنه هفيركي قبل أن يذكر اسم عشيرته، أي أن هفيركا مثلها مثل أشيتا كان وصف لمنطقة قبل أن يكون وصف لمجموعة من العشائر، وهذه تعني أن الجزيرة ما بين الحدود المتشكلة منطقة جغرافية واحدة عشائريا وسياسيا، والكورد كان يرفضونها وعليه كانت تتم التنقلات بين طرفي الخط السياسي المتشكل، وخير مثال لتوضيح هذه الجدلية البسيطة، ما يدور من النكت بين كرد غربي قامشلو، ودرجت على أن كل العشائر هناك غربين، وشرقها المعتبرة كل ساكني شرقي قامشلو أشيتيين، حتى منطقة أليان وأحيانا هم ضمنها، بالنسبة للغربيين وليس للشرقيين، وكثيرا ما يفهم أحيانا كمنطقة أو مجتمع أو عشيرة. وتنم هذه التناقضات والأخطاء عن أن بعض مصادره تواتريه غير موثوقة، كالتي أقتبسها من الجرائد الرسمية السورية في الخمسينيات والستينيات وهي الفترة التي انتشرت فيها المفاهيم العروبية، وتصاعدت أحزابهم العروبية، كالشعب والبعث، كما وهي نابعة من أن الكاتب: إما غير مطلع على تاريخ عشائر المنطقة فينسخها من مصادرها أو ما يقال له دون التدقيق في صحة المعلومات والتأكد من مصداقيتها، أو ضحالة معرفة مصادره، أو أن ملقنيه قدموا معلومات ملفقة، مثلما حدث معه عندما عرض حوادث ثورة الشيخ سعيد بيران ونسبها إلى الشيخ سعيد النورسي. أو إنها لغاية التعتيم أو تشويه التاريخ المعاصر للمنطقة مثلما فعلها سابقوه بتاريخنا القديم. ولا نستبعد أن بعض الذين أستند عليهم كانت بينهما غاية مشتركة مضرة بتاريخ المنطقة والعشائر الكوردية الحضرية العريقة في الجزيرة، أو أنه تقصد حصولها من بعض الكورد البسطاء ذوي ضحالة معرفية بتاريخ المنطقة أو سذج إلى حد تفضيل المصالح الذاتية على المصلحة الوطنية والقومية.
27- المعلومات التي أوردها في الصفحة (717) الجزء الثالث، يدرجها بنفس الصيغة ولعدة مرات وفي أقسام أخرى، وهي عن مشاكل الفلاحين الكورد في قرية (أبو راسين) كرباوي قبل أن تعرب، التابعة لمنطقة قامشلو، مع توفيق نظام الدين، مثلما تم في الهامش (35) من الصفحة (136) وفي الصفحة (718) وغيرها، وعلى خلفية قضايا خلقتها وأثارتها السلطات العروبية بشكل دائم بين المجتمع الكوردي لتتمكن منهم وتسخيرهم لغاياتها، واستند عليها الكاتب وغيره من المثقفين العروبيين، في اتهام الكورد ذاتهم بما ألت إليه أوضاعهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتبرأة السلطات السورية العنصرية. وهي نفس الغاية المذكورة حول النائبين الكورديين المثارة حول عمليات التسجيل وسنأتي عليها لاحقا، وقد ساقها سابقا مع النائب الكوردي عن عفرين) أحمد جعفر الشيخ إسماعيل) متهما إياه بشكل مباشر بالمحرض الأول للدولة للقيام بتعريب الكرد في منطقة عفرين، علما أن النائب كان دبلوماسيا في طلبه المعروض على البرلمان عام 1957م فتحت غطاء التعريب، طالب بإدخال اللغة الكوردية إلى الإعلام السوري، وحاول الحصول على موافقة تخصيص برنامج في الإذاعة باللغة الكوردية موجهة إلى مناطقهم، كما واقترح إدخال ملحق باللغة الكوردية في القضاء والدوائر المتعلقة بها، وتحت حجة القضاء على الأمية في المنطقة طالب بفتح المدارس العربية في جميع القرى الكوردية. واتهامه للنائب الكوردي هذا، محاولة لتبييض صفحة العروبيين الأوائل من حزب الشعب السوري، والبعث، وقبلهم الشخصيات العروبية العنصرية المعروفة كذكي الأرسوزي، وميشيل عفلق وأكرم حوراني مؤسسي البعث العربي الاشتراكي ومخططاتهم التعريبية والتي نفذتها لاحقا حكومتي البعث والأسد.
يتبع…

 

التعليقات مغلقة.