المجلس الوطني الكوردي في سوريا

ليس غريبا أن يشعل رحيله وسائل الإعلام

86

ليس غريبا أن يشعل رحيله وسائل الإعلام الكوردية وصفحات التواصل الاجتماعي أياما كحدث مهم على مستوى قضية ما، مادام أنه استطاع أن يعيش في وجدان وقلوب أبناء الشعب الكوردي بكفاحه المستمر لمدة نصف قرن في صفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا دون كلل أو ملل ، مكرسا حياته كلها من أجل مبادئ نادى بها وضحّى في سبيلها، واختار أن يكون قدوة بالتزامه وتفانيه في النضال، ومثالا في المحبة والعطاء والإخلاص، جاعلا من هذه القيم سلوكا وفعلا ممارسا في حياته.
إنه ذلك المناضل العتيد، حجي بلال المعروف بـ خالو، من مواليد كوباني1945 ، بارزاني الهوى، قومي الانتماء، الكوردي الذي واصل مشواره دون انقطاع، ولم يخمد شغفه وحبه لشعبه في مواجهة أباطرة الظلم والاستبداد، في أحلك الظروف، كما لم ينحنِ لأية عاصفة، ولم يرضخ لأي قهر، كعاشق عنيد لم يعرف اليأس، بل لم يولِ أي بال للعيش الرغيد على حساب الجراح.
قطّ لم يكن خالو كأي حزبي عابر في صفوف الحركة الكوردية في كوردستان سوريا، ولا كقيادي تكتل ضمن حزب وانشق لينال شهرة مجنونة ليرضي بها الأنا، أو يطوف من تنظيم إلى آخر بحثا عن جاه كاذب أو مال ليسترزق منه، ولم يتوخ المجد لنفسه يوما ولا طلب منصبا، كما لم يكن عائقا يوما أمام فكرة ما أو مقترح ليأخذ مجراه في العمل النضالي.
كان أهلا للمسؤولية بإصراره الدؤوب الهادف إلى إشاعة التوعية القومية وروح النضال إلى جانب زرع القيم الأخلاقية بين الشباب بهدوئه ورزانته، ولم يستثنِ المرأة من هذه المهمة، ورفاقه كانوا يتسابقون لاختياره كمسؤول في تنظيم المرأة لتمتعه بمؤهلات ومزايا شخصية كبيرة تتناسب مع هذا الدور، أنعش جيلا كاملا وفاز بقلوبهم وحقق مكانة كبيرة في وجدانهم رغم الظروف العصيبة.
خالو يتميز بخصال نادرا ما تتواجد في شخص ما حيث استطاع أن يكسب احترام الحركة الكردية برمتها وأبناء منطقته عموما، ومنها كحسن المعاملة وصدق الالتزام وطيب الكلام وطبع التواضع، ويشهد على ذلك كل من ناضل وتعامل معه ، ولم يكن الاهتمام الكبير به أثناء تعرضه لوعكة صحية من قبل الناس لاعتبارات عشائرية او عائلية او مادية ، فظل الفقر يرافقه حتى مماته، كان مثلا حيا يحتذى به في العمل الحزبي لا لمن عرفوه وعايشوه فحسب، بل أيضا لمن سمعوا عنه في الجغرافية الكوردية كلها، طالما ظل صامدا وقدوة حسنة في مختلف الميادين .
لبساطة مفرادته وعفويتها وقع كبير على النفوس، كان يتردد كلمات دائما كـ(خالو حيران، خالو قربان) في أحاديثه ونقاشاته، كانت رفيقة دربه والذي كان يسميها خالو بـ بكّار(ديا عفدو) تقول: ألم تمل يا خالو من هؤلاء الشباب الصغار ومتى ستنتهي اجتماعاتكم ، فهو ببرودة أعصابه كان يضحك ويقول نعم بكار قولي ما شئت, ونضحك سويا، نضجنا مع خالو ومبادئه وقيمه النضالية الرفيعة.
بقي حجي بلال (خالو) هادئا متزنا خلوقا طوال حياته يحظى باحترام وتقدير خصومه السياسيين قبل رفاقه، ونستطيع القول بحقه إنه: رمز من رموز الحركة الكوردية ونموذج يحتذى به لبناء جيل يؤمن بعدالة قضية الشعب الكوردي، وهو وحي لم يرحل أبدا من بيننا.
أشعل رحيل خالو صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الكوردية، أورد هنا بعض ما قيل عنه من قبل رفاقه ومحبيه من السياسيين والكتاب والإعلاميين والحقوقيين:
السياسي الكوردي المعروف مصطفى جمعة رفيق دربه قال عنه إنه: “أحد رموز نهج الكوردايتي ، والالتزام الأخلاقي ، والشرف الكوردي الرفيع ، حجي بلال .. يرحل الى صفحات التاريخ . نسبته إلى الحزب عام ١٩٦٧ ، بقي كل هذه السنين صامدا ، وفيا ، مخلصا ، رغم الظروف الصعبة والضغوطات والملاحقات ومرارة العيش والسجن . كان خير معين لرفاقه في بعض مراحل الاضطراب الفكري والسياسي داخل الحركة الكوردية ، يصحح بتوجيهاته الأخلاقية المميزة والملتزمة بمنهجية التفاعل المؤدي إلى الصواب ، صون أساسيات العمل الحزبي النقي .كان محجة جميع رفاقه من مناطق عفرين وكوباني والجزيرة بدماثة خلقه وسعة صدره . ينصح الشباب بالدراسة والتعلم ليكونوا أدوات النجاح في بناء المستقبل “.
أما صالح جعفر وهو أحد رفاق دربه القدماء قال :” رافقت خالو في مرحلة مهمة وعصيبة من تاريخ كوباني السياسي، كنت أقول و لا زلت أقول رأسمالنا في النضال هو الحب ، وخالو يحب رفاقه و جيرانه وأصدقائه”.
بينما علاء الدين حمام وهو أحد رفاقه الحزبيين أشار: “وأخيرا رحل حجي بلال دون وداع سألني إعلامي عن رأي بحجي بلال فقلت بالمختصر ينطبق عليه ما قيل عن زين العابدين بن علي (لولا التشهد لكان لاه نعم) رحمة الله عليك”.
بينما قال الشاعر والكاتب روني علي الذي ناضل معه لسنوات:” أشهد أنك لم تنحنِ لأحد ولم ترتزق من أحد ولم تقايض على قناعاتك ولم تساوم عليها ولم تكن جزءا من لوثة الانشقاقات ..عشت حرا ورحلت حرا . حجي بلال لروحك السلام والطمأنينة”.
ويصف علي رحلته النضالية معه:” كان ذلك في الشهر العاشر من عام ١٩٨٣ حين الثم شمل الاجتماع الحزبي في كوباني .. كان يجلس في الاجتماع شخص يكبر الكل سنا ليس لكبر عمره وإنما لصغر أعمارنا .. يلبس طقم سفاري بني اللون ويلف على رأسه جمدانة وهو يتفحصنا بابتسامة تحمل في طياتها فرحة الأب بأبنائه .. فرحة القائد بنجاح مشروعه .. فرحة الفلاح بانتعاش موسمه .. حينها كان اللقاء الأول .. لم أكن أعرفه من قبل. الكل كان يتوجه إليه بأسئلته مستخدما لقب “خالو” بدلا عن كلمة “الرفيق” المتعارف عليها في الاجتماعات الحزبية .بهدوء لا يخلو من إصرار المناضل المتجذر في شفافية قضيته كان يرد على الأسئلة وفي كل مرة يردد مقولته “لا امتلك كل الأجوبة فبعضها في مخاض التطور وما قد يحمله المستقبل لنا من تغيرات وتداعيات”.
ويتابع روني علي “الاجتماع يهرول سريعا إلى نهاياته .. أحدهم يتوجه إليه بمداعبة “خالو لقد كبرت في العمر” ، يرد بابتسامة تشوبها القهقهة ثم يقف ويرفع الجمدانية عن رأسه ” خالك لسعتو شب بس انتو لسعتكم صغار”.وداعا يا من لم تودع الأمل في الحياة “.
فيما اعتبر المهندس شاهين أحمد والقيادي الكوردي ورفيق دربه أيضا أن” خالو أيقونة كوبانية، وأحد أهم الرموز في الحقل الحزبي – القومي الكوردي في منطقة كوباني ، بقي مناضلاً صبوراً ملتزماً ومحافظاً على قناعاته وكرامته ، ولم ينحرف عن خطه السياسي ومواقفه وإيمانه الراسخ بحق شعبه وعدالة قضيته ومبادئه القومية قيد أنملة ، بالرغم من موجات الأعاصير التي اجتاحت سوريا بشكل عام وكوردستان سوريا بصورة خاصة … هذا المناضل – حجي بلال – المعروف في الشارع الحزبي – السياسي في كوباني بإسم ” خالو ” ، الذي فاز بقلوب المناضلين والشرفاء في المنطقة ، والذي لم تثنيه لا الظروف الاقتصادية ، ولا المضايقات والاعتقالات الأمنية من قبل مخابرات البعث عن الاستمرار في واجباته والتزاماته”.
بينما قال رفيق دربه الآخر المحامي عبد إمام عنه: “خالو ذلك المناضل الصلب بقي صامدا في كوباني رغم الصعاب والتحديات ورغم حالته الصحية وتقدمه في السن. خالو هو أحد الرموز النضالية لكوباني مع رموز أخرى كالمرحوم عبدالقادر قطوان والمرحوم فندي..خالو شرفني بأن ناضلت معه في حزب واحد منذ أن كنت يافعا وتعلمت منه الكثير”.
ومن جانبه قال، الإعلامي عمر كالو الذي أيضا ناضل معه:” الشخصية المناضلة حجي بلال (خالو) هو أحد الرموز النزيهة للحركة السياسية الكردية في كوباني”.
فيما كتب عنه الكاتب الموهوب إدريس سالم مطولا عنه في مقالات عدة واعتبره” أيقونة في عالم النضال والسياسة… ويتصف بتواضعه الاجتماعي، ومرونته، وهدوئه، ونزاهته التي قلّ مثيلها، وأخلاقه العالية بين أبناء المنطقة، وهو نموذج من النماذج النضالية التي لا يمكن تجاهلها، فهو من الأرْعال السابقين في الحركة الكوردية، فهو رقم صعب في المعادلة السياسية والذاكرة الكوبانية العريقة والأصيلة، معروف بمواقفه ومبادئه الثابتة والعنيدة، يعتبر نفسه دائماً جزءاً أساسياً من المسؤولية ويتحمّل أخطاءه، ولا يضع المسؤولية على عاتق غيره، في حال وجود خطر أو فشل، يبذل قصارى جهده ويضحّي دون أن ينتظر جميلاً من أحد، وضع كلّ إمكانياته المادية والمعنوية من بيته وعائلته وعمله في سبيل خدمة القضية الكوردية والتنظيمات الحزبية”.
وكان حجي بلال قد توفي يوم الاثنين في 29 نيسان 2019 في مدينة أربيل بإقليم كوردستان بعد رحلة علاجية ووري الثرى في مسقط رأسه بقرية دولي غربي كوباني صباح يوم الثلاثاء بحضور جمع غقير من رفاقه في الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا وأحزاب المجلس الوطني الكوردي والحركة الكوردية والمنظمات والشخصيات المدنية ومحبيه من الأهالي.

التعليقات مغلقة.