المجلس الوطني الكوردي في سوريا

سباق المصفقين للجراح النازفة ….

53

الكاتب: يوسف حمك 

تفشي وباء الانقياد ، بات سمة العصر .  و استفحال انحدار النفس أصبح موضةً يتباهى بها ممسوخ الشخصية . كما انحلال الذات في بوتقة البغي و مرتع الجور .
و الأنكى من يروض نفسه طوع أمر المتجبر ، ليغدو لصاً و أجيراً . يتقمص أخلاق سيده ، مقتدياً سلوكه المتعجرف .

يمارس مهنة العبودية طمعاً و طوعاً دون إكراهٍ من القوة الجبرية .
يجيد فنون طقوس الذل و المهانة .
مجاملٌ حتى النخاع حفاظاً على المناصب بغية الترقية .
يبيع نفسه كسلعةٍ رخيصةٍ ، و جعل كيانه إحدى مقتنيات ولي نعمته . ذاتٌه منحدرةٌ إلى درجة الانحلال .
كأنه لم يلد إلا عبداً . مع ان الإنسان يولد حراً كريماً .

كم عجيبٌ أمر الناس !! كلما كان اللص كبيراً ، كان مقامه أرفع درجةً في مرآتهم .
و كلما كان الفاسد غارقاً في الإعوجاج و الدعر ، كان مبجلاً ، و احترامه فائقاً بين الجموع .

هكذا مجتمعات الشرق البائسة ، و بلدان المشرق التعيسة .
قوانينها تُسن على مقاس فردٍ ، أو وفق مصالح فئةٍ قليلةٍ في الجوهر . و في الشكل صياغتها تلاعبٌ بالألفاظ ، ملغمةٌ بالألغاز . لاصطياد من تتحلى روحه بالبسالة في إبداء رأيه علناً ، و بكل جرأةٍ ، بلا نفاقٍ أو خشيةٍ من فقد منفعةٍ .
لهذا فالصريح لقول الحق هدفٌ لكل مسؤولٍ فاسدٍ .
و الجريء بكشف المستور صيدٌ ثمينٌ لصاحب المنصب الرفيع . ينظر إليه بعين العداوة و البغض .
لأن المراتب العليا شاهقةٌ جداً – ثمنها باهظٌ للعفيف – لا يبلغها إلا دنيء النفس ، خليع الخلق ، خبيث الطبع .
يتعذر للمفرط في النزاهة نيلها . و محظورٌ على الشجاع بلوغها . فمصيره إما وراء القضبان ، أو التهميش في غياهب النسيان ، أو تُزهق روحه ليُدفن تحت أطباق الثرى .
بعكس المصفق المأجور مقابل حفنة مالٍ ، أو منصبٍ متواضعٍ .

على عادة الطغاة المهوسين بالتصفيق – كطاغية روما ( نيرون ) – الذي كان ولعه بالتصفيق ثقيل العيار .
مما حدا به لفتح مدرسةٍ لتدريب المصفقين .
وحسب المصادر التاريخية كان يصفق له خمسة آلاف عنصرٍ من بيادق الجيش و بعض المسؤولين الانتهازيين ، فور انتهائه من عزف القيثارة و الغناء .
و لم تذكر تلك المصادر فيما لو كان عزفه رديئاً هابطاً فظاً ، أم عذباً جديراً بذاك الكم الهائل من المصفقين .

فبما أن ممارسة الفنون تتطلب رهافة الحس ، و رقة القلب ، و طيبة النفس .
كما جودة مهارتها تستلزم صفاء السريرة ، و فطرة الموهبة ، و حلاوة اللسان ، و نقاء الضمير ، و سلاسة الطباع ……

فهيهات من دمويٍّ سفاحٍ متكبرٍ جائرٍ باغٍ ، هائج الطبع ، غليظ المعشر ، خالي الإحساس ، أن يكون لحنه عذباً كمعزوفة عازفٍ رقيق المشاعر ، مرهف الحس ……
فلا توافق بين الموسيقا و الفظاظة و الإجرام . و لا تطابق بين الغناء و العنجهية و الغلاظة و الطغيان ….

نعم ىساهم المصفقون في تكريس ثقافة الهيمنة ، و ابتلاع طُعم الخديعة بلعق الأحذية ….
و الرموز أثبتوا تبعيتهم للخارج . إن كانوا رجال دينٍ ، أو سياسيين ، أو سماسرة الحروب ، و تجار الأزمات …
الجميع يدعي الحق ، و ينادي بالوطنية ، و يذرف دموع التماسيح .
بعد أن مارس القتل ، و شارك بالهدم و التشرد و النهب ، و عاث فساداً ……
لا انجازات لهم سوى اختلاق الذرائع للاقتال ، و افتعال الأزمات ، و تمزيق البلاد و انزلاقها نحو المجهول .

(المقالة تعبر وجهة نظر كاتبها فقط ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع)

التعليقات مغلقة.