المجلس الوطني الكوردي في سوريا

أمريكا والمسار السياسي الجديد في سورية..

352

بالكاد أن ينتهي عَقْد من سنوات الحرب الطاحنة في سورية ومازالت تلك الجهود الدولية لحل الأزمة شبه مستعصية أمام رغباتها و خاصة الدول التي تمتلك نفوذاً عسكرية قوية و قرارات سياسية هامة في هذا الشأن ، و ذلك تماشياً مع هاجس الخوف المسيطر عليها للحفاظ على مصالحها داخل سوريا .

و من الطبيعي ان تسعى الدول الفاعلة في هذا الصراع لايجاد حلفاء لها من قوات محلية تدعمها بإمكانيات سياسية و عسكرية .

فالأستراتيجية التي كانت تتبعها أمريكا في السنوات المُنصرمة مع بداية تدخلها العسكري إلى سورية و خاصة بعد تشكيل تحالف دولي ضد الإرهاب ( داعش ) ، لم يتوافق مخططاتها مع المد العسكري الإيراني في المناطق السورية و الذي بلغ عدد الفصائل الايرانية فيها لأكثر من ( ٥٠ ) فصيلاً يتوزعون معظمهم بين حمص و حلب و دير الزور و بالقرب من الحدود الاسرائيلية و لكن كان تواجدها الأهم في مطار دمشق الدولي ومنها : قوات الحرس الثوري و فيلق القدس و حزب الله اللبناني و لم تسنح الفرصة لأمريكا لإنهاء تلك الفصائل حتى بعد هزيمة داعش .

و بالمقابل لم تقف تركيا مكتوفة الأيدي بل حاولت المناورة والضغط على التواجد الأمريكي في سوريا وبتعاون روسي واضح لتعتبر من نفسها جزء من الحرب على الإرهاب و حتى تضمن بأن تكون مع ايران في حالة توازن .

فنالت هي الأخرى على رغبتها في احتلال بعض المناطق من سوريا كالباب و جرابلس و عفرين و شمال إدلب و لاحقاً كري سبي “تل أبيض” وسري كانيه “رأس العين” وذلك بعد انسحاب القوات الامريكية من تلك المنطقتين الاخيرتين؛ وكان كل هذا برضى أمريكي أيضاً وخاصة بعد زيارة المبعوث الأمريكي جيمس جيفري إلى أنقرة ليتجنب الصراع مع أي دولة تربطهم بها مصالح مشتركة خارج أو داخل سورية .

 

أما عن الدور الروسي و تمسكه ببقاء الأسد على كرسي الرئاسة حتى هذا الوقت كان بمثابة جدار يصعب خرقهُ نتيجة التفاهمات الحاصلة بين الروس والأمريكان من جهة و إسرائيل و روسيا من جهة أخرى وبقت شماعة الروس في بقاء الأسد أصلاً لشرعنة مصالحهم و تأمين حدود دولة إسرائيل حتى أن تم مؤخراً تعيين ممثلاً خاصاً لبوتين له في سوريا وهو السفير الروسي في دمشق الكسندر يفيموف كسابقة خطيرة لأمن و سيادة الدولة السورية لأن هذه الخطوة الروسية نفذت حتى بدون شروط علنية أو عقد أي مفاوضات مع الأسد ليتحكم الحاكم الروسي السوري بنفوذ كبير متمكنا من توسيع قاعدة حميميم العسكرية و بسط نفوذه في مياه البحر المتوسط على كامل الساحل السوري وحتى يتسنى للروس التحرك داخل سوريا براً و بحراً و جواً .

وبعدما أمن الروس ما يطمئن لمستقبل مصالحهم في سوريا صرح الرئيس الروسي بوتين لصحيفة بيلد الألمانية ( بأن من حق روسية منح اللجوء السياسي لبشار الأسد ولم يعد مهماً بقاء الأسد على كرسي الرئاسة في الدستور الجديد أو الأنتخابات القادمة في سوريا ) . وهذا النقطة بالذات يتضح لعموم الشعب السوري و حلفائهِ في المنطقة بأن بشار الأسد كان يمارس سياسة الكيل بمكيالين والمساومة على جميع المناطق في غربي سوريا و منح الروس كامل الصلاحيات للتصرف بالمنطقة مقابل حفاظ الروس على حياته وحياة عائلته .

ولكن على ما يبدو ابتغت روسيا مبتغاها و لم يهمها كثيرا بقاء الأسد من عدمه و ما يلاحظ من تناحر في العائلة المتنفذة على السلطة السورية و لذا اوصل بهم الحال إلى خلاف علني وخاصة بين رامي مخلوف أبن خال الرئيس بشار والرئيس نفسه ليثبت بأن صلاحية بقاء بشار كرئيس باتت محصورة ما بين قاب قوسين .

وبغضون العشر سنوات من الحرب الطاحنة في سورية تحول شك الشعب السوري الى يقين تام بأن سياسة النظام السوري كان هدفه تثبيت أركانه وذلك من خلال تعاونه مع الميليشيات الشيعية و بعض من القوات الروسية المرتزقة بالإضافة إلى الدعم الروسي الرسمي عسكرياً وسياسياً ليكون بذلك قد قضى على البنية التحتية والبشرية وتحويل سوريا إلى بؤرة صراع قل نظيره في العالم .

والأن تحاول امريكا جاهدة وخصوصاً بعد قرار عودة قواتها إلى سوريا ثانية لترتيب بعض الأوراق وتكمن أساسيات استراتيجيتها في عدة نقاط منها محاربة داعش وحماية النفط والضد من الزحف الإيراني نحو سوريا وتعطيل حلم الهلال الشيعي والتقارب الكوردي – الكوردي و الضغط المتكرر على النظام لقبول التسوية السياسية والامتثال للقرارات الدولية ذات الشأن وخاصة القرار ٢٤٥٤.

و لعل من أكثر الأوراق أهمية وخصوصية هنا هي فقرة التقارب الكوردي – الكوردي لما له من أهمية بالغة وإذا ما تم ذلك فحتما ستؤدي هذه الاتفاقية إلى تغير جوهري في مسار وجوهر مستقبل سوريا برمتها ويعود ذلك لعدة أسباب :

أولاً: الأكراد و شركائهم العرب الآن يسيطرون على ثلاث محافظات سورية تحت مظلة القسد و سيلحقها القوة العسكرية بيشمركة روج لاحقاً .

ثانياً: تحظى هذه المنطقة بنفوذ أمريكي سياسي وعسكري .

ثالثاً: هذه المنطقة تعتبر من أكثر المناطق السورية الغنية اقتصادياً .

رابعاً: ستشكل هذه المنطقة بداية جديدة لشكل الدولة السورية .

خامسا : الضغط السياسي المنتظر الذي سيظهر لاحقاً على كلا من النظام و المعارضة للإعتراف بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي في سوريا كشعب يعيش على أرضه التاريخية .

و ختاماً تحاول أمريكا رسم سياستها الجديدة في سورية فهي تحاول أن تخلق توافقات جديدة من جهة وتضغط على كل الأطراف الغير مرغوبة لها من جهة أخرى لانهاءها تماماً وبذلك ستنتج حتماً النسخة المطلوبة لها في سوريا المستقبل .

المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.