المجلس الوطني الكوردي في سوريا

الكورد والسياسة الدولية.. سياسة اللعب أم سياسة الملعوب عليه؟!

66

الكورد والسياسة الدولية.. سياسة اللعب أم سياسة الملعوب عليه؟!

إعداد : عزالدين ملا

يتّجه العالم نحو رؤية سياسية وجغرافية واقتصادية جديدة، ومغايرة لِما كانت عليه في السابق. كل ذلك يجري ونحن على أعتاب نهاية قرن من الزمن على الاتفاقيات التي غيّرت وجه العالم وخاصة منطقة الشرق الأوسط، وذلك برسم دول مصطنعة على حساب شعوب المنطقة، وما جرى كانت الغاية منه وضع كافة إمكانات المنطقة في خدمة الدول المنتصرة آنذاك.

أما الآن ومن خلال كل ما يجري أن المنطقة أيضاً مقبلة على شيء جديد، ولكن حتى الآن ملامح تلك الرؤى غير واضحة، فقط ما هو واضح أن الدول الكبرى والإقليمية تحاول بكل السُبل فرض إملاءاتها ونفوذها وأجنداتها قبل انتهاء مفعول تلك الاتفاقات والمعاهدات التي تمَّ التوقيع في وقت سابق من الآن بمئة سنة.

1- كيف تحلّل كلّ الأحداث الجارية الآن على الساحة الإقليمية والدولية؟

2- برأيك هل سنشهد خرائط سياسية وجغرافية جديدة على مستوى منطقة الشرق الأوسط والعالم؟ كيف؟ ولماذا؟

3- ضمن هذه الخرائط الجديدة، هل للكورد دور ووجود فيها؟ لماذا؟

4- ما المطلوب من الكورد لإثبات وجودهم على الخارطة الإقليمية والدولية؟

ما يحصل في المنطقة هو امتداد للسياسات التي رُسمت لها في مراحل تاريخية سابقة

تحدث العضو القيادي في حركة الإصلاح الكُردي في سوريا، حواس عكيد لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «بلا شك أن ما يحصل في المنطقة هو امتداد للسياسات التي رُسمت لها في مراحل تاريخية سابقة، مثل اتفاقيات سايكس بيكو ولوزان اللتين قسمتا المنطقة دون أخذ إرادة ومصالح شعوبها بعين الاعتبار، بل كلها كانت متماشية مع منافع الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى التي أصبحت متحكّمة في العالم ومصائر الشعوب، وأكثر ما تأثر بهذه التقسيمات هو الشعب الكُردي الذي جزأت بلاده بين كيانات ناشئة ودول قائمة سابقة، وصار الكُرد كشعب أصيل وأحد أقدم شعوب المنطقة مُجزأً، تتحكم بمصيره حكومات لا وطنية تتسلط على رقاب بني جلدته، وتستبد بشكل أفظع بالشعب الكُردي، وما زالت هذه السياسات سارية حتى الآن، حيث عملت كل دولة من هذه الدول على إنكار الحقوق القومية والوطنية للشعب الكُردي، وأصبح الكُردي غريباً على أرض آبائه وأجداده، حتى بعد الحرب العالمية الثانية، استمر الوضع على حاله حيث حافظت الدول العظمى على تلك الكيانات الناشئة، وجذَّرت الحدود، وصارت الحكومات المقسمة لكُردستان أكثر إجحافاً في إنكار حقوق الشعب الكُردي في كل جزء من أجزاء كُردستان، وتمادت في سياسات الاقصاء والاضطهاد والاستبداد بعيداً عن أبسط مبادئ حقوق الانسان. وما نشاهده اليوم هو مراجعة لتقييم تلك السياسات وإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة، ووفق ما يجري من أحداث يتبين أنه لا يمكن الوصول إلى استقرار دائم في الشرق الأوسط إن لم تتقبل كل الشعوب بعضها وفق أسس إنسانية وأخلاقية متماشية مع روح العصر، وخاصة رفع الغبن عن الشعب الكُردي، وحل قضيته في كل المنطقة، لأن الكُرد وأرضهم يشكلون ثقلًا بشرياً وجيوسياسياً لا يمكن تجاهله بأي شكل من الأشكال».

يرى عكيد: «لا توجد حتى الآن إرادة لدى الدول العظمى في العالم لتغيير الحدود السياسية في المنطقة، ولكنها كما كانت عبر التاريخ تبحث عن توسيع مساحة نفوذها بتحكّمها في سياسات الدول على الأرض لضمان مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية. وما يحدث اليوم ربما يكون تقاطع لمصالح تلك الدول مع مصالح الشعوب التي تبحث عن حريتها في ظل حكومات لبرالية تحافظ على كرامة مواطنيها وبناء دول قائمة على احترام التعدد والاختلاف واعتراف الكل بالكل، وأرى ان النظام الفدرالي هو الأنسب لمعظم دول المنطقة انطلاقاً من حقيقة التنوُّع لضمان التوزيع العادل للسلطة والثروة، وعدم تكرار سياسات الاقصاء والإنكار والتهميش التي كانت وما زالت مستمرة في الكثير من بلدان الشرق الأوسط».

يضيف عكيد: «بغضّ النظر عن تغيير الحدود الراهنة أو بقاءها على حالها، فإن عجلة الشعب الكُردي لا يمكن ان تعود إلى الوراء، فنحن الآن نعيش في القرن الواحد والعشرين وسياسات القرون الماضية لم تعد مجدية منطقياً، سواءً من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، لأن العالم اليوم نتيجة تطور التكنولوجيا ووسائل التواصل متجه إلى انفتاح الشعوب على بعضها بعد أن كانت مقموعة بيد حكومات جائرة تتحكم بمصائر الشعوب دون حسيب أو رقيب. والشعب الكُردي ليس استثناءً وستحل قضيته في الأجزاء الأربعة من كُردستان من أجل ضمان مستقبل أفضل للكُرد والشعوب المتعايشة معهم، لأن حل القضية الكُردية هو مفتاح الاستقرار، وبالتالي مفتاح التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وفق أسس قانونية مبنية على الاحترام المتبادل، وفي هذه الظروف الشعب الكُردي في كل مكان مطالب بمراجعة سياساته وتصحيحها، وتوحيد الجهود والطاقات وتجاوز الخلافات البينية حتى يسترد حقوقه ويكون له دوره المنشود في المنطقة والعالم».

يشير عكيد: «المطلوب من الشعب الكُردي سابقاً وحالياً ولاحقاً هو توحيد الرؤى السياسية للقضايا بشكل يصب في المصلحة القومية العليا، وتجاوز الخلافات، وتفعيل آليات جديدة مبتكرة تتناسب مع روح العصر، فعدالة القضية الكُردية ومشروعية الحقوق وحدها لا تكفي لنيل الحقوق، لذلك علينا العمل على كافة الصعد سواءً وطنياً بين الكُرد والشعوب المتعايشة معه في كل جزء أو قومياً بين الكُرد في كافة الأجزاء، والانطلاق منها لبناء العلاقات بين تلك الشعوب على أسس متينة يمكن البناء عليها، متجاوزين ما ألحقتها الحكومات المستبدة من شروخ وما افتعلتها من نعرات، ومعالجة القضية الكُردية في المنابر والمؤسسات الدولية على أسس قانونية ووضع دساتير وطنية عادلة في الدول التي يعيش فيها الكُرد على أرضهم التاريخية لضمان عدم عودة الاستبداد والاضطهاد».

الحاجة إلى إرادة حقيقية وحس وطني وقومي لدرء المنطقة من كوارث هي بغنى عنها

تحدث المستشار القانوني، درويش ميركان «كوردستان»، بالقول: «بداية وللأسف جميع الاتفاقيات الدولية والمعاهدات تخضع لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات والتي دخلت حيز التنفيذ عام 1980، وورد تعبير بطلان المعاهدات وانقضاؤها أو إيقاف العمل بها وفق نص المادة 42 من اتفاقية فيينا، وليس للزمن مفعول على أي اتفاقية إلا بالاتفاق المحض بين الأطراف. لكن القوة العسكرية فرضت نفسها على أي اتفاقية طبعاً دون الاعتراف الدولي بها كما فعلت تركيا بشمال قبرص وروسيا بجزيرة القرم. أما منطقة الشرق الأوسط نجد أن الساحة حتى اللحظة لا غالب ولا مغلوب بالنسبة للقوى الرئيسية، وكل طرف يحاول جني أكثر قدر من السيطرة العسكرية والاقتصادية على الجغرافيا السورية، لكن حرب روسيا على أوكرانيا أبطأ نوعاً ما حلحلة الأمور بل على العكس عقد المشهد أكثر مما هو عليه سابقاً».

يتابع ميركان: «بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية تستفيد من مركز الروس الضعيف على الجبهة الأوكرانية، وتدعم الحليف الأوكراني مع الشركاء الأوربيين وخاصة ألمانيا بكافة الوسائل العسكرية والاقتصادية والإعلامية، ناهيك عن التحرك نحو الصين والهند وباكستان لبلورة تحالف دولي ضد الروس مع موقف متذبذب من الدول الأخيرة، والتي لها رؤيا مختلفة ومصلحة مع الروس بصفقات من الغاز والنفط بأسعار أقل من السوق العالمية. هذا الجو المشحون في المنطقة عرفت تركيا كيف تستغله بشكل جيد وخاصةً بعد تفجير استنبول، لتبدأ بفكرة العملية العسكرية التي أوقفتها سابقاً بضغط أمريكي روسي ورفض من النظام السورية، هذه العملية العسكرية قد تعيد خلط الأوراق لجميع الأطراف وتبدأ اللعبة من جديد في وقت يعاني الشعب السوري من أزمة اقتصادية لامثيل لها، ووصول الملايين من الناس لمستوى خط الفقر نتيجة لتدهور قيمة العملة السورية والبطالة».

يضيف ميركان: «في خضم هذه الأزمة صرح مظلوم عبدي لجريدة الشرق الأوسط الاسبوع الماضي جواباً على سؤال خلافات مع الحكومة السورية بالقول “نحن لسنا ضد أن تكون قسد جزءاً من المنظومة الدفاعية للجيش السوري بشكل عام لكن لدينا شروط وتفاصيل…هم في حاجة إلى حل دستوري وحل قانوني يجب ان يكون لهم دور وخصوصية ضمن الجيش”، لا اعرف كيف تلقى رفاق مظلوم هذا التصريح والحديث عن الثورة ودماء الشهداء والأرامل والجرحى والأمهات الثكلى أين هم من كل ذلك؟، لكني اعرف ان الحقيقة عند كل غيور ووطني ولا يتاجر بدماء الآخرين لكل من يعرف ويجاهر بالزيف والرياء لأجل مصالح تافهة أمام هول من ضحى بصدق في سبيل ما آمن من أجل الحرية والكرامة».

يشير ميركان: «أنه في تجارب جميع الشعوب والأمم عندما تكثر سكاكين الأعداء بشكل لا إرادي يتكاتف الأخوة أصحاب المصير المشترك إلا الكُرد في سوريا يحتاجون إلى معجزة إلهية، الكل صار يعرف من صاحب الإرادة الحقيقية والحس الوطني والقومي لدرء المنطقة من كوارث هي بغنى عنها، وهي احوج من أي وقت مضى للتلاحم والمضي بمشروع الوحدة الكُردية، والعمل مع بقية القوى العربية والمسيحية في المنطقة لأجل البقاء على من تبقى، وتأمين الحاجات الأساسية لهم، وإلا فإن التاريخ لن يرحم لكل من أساء استعمال السلطة المؤقتة والممنوحة بغية إنجاز أجندات أطراف أخرى على حساب شعوب المنطقة من كُرد وعرب ومسيحيين وغيرهم. والهاجس الاكبر هو رسم خارطة طريق جديدة للمنطقة دون مشاركة شعوبها كما حدث سابقاً، لذلك كونوا على قدر المسؤولية الأخلاقية ولو لمرة واحدة، كونوا لاعبين مؤثرين وليس ملعوب عليكم».

المطلوب هو الانصياع للإرادة الدولية والاستماع لنصائح الحلفاء

تحدث السياسي، دوران ملكي «كوردستان»، بالقول: «اتفاقية سيفر وقعت بين حكومة إسطنبول التي مثلت الباب العالي والحكومات الغربية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وصربيا وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا واليونان)، ورفضت الاتفاقية بالمطلق من قبل حكومة أنقرة بقيادة مصطفى كمال أتاتورك لا بل سمّتها بالاتفاقية المشينة. وبعد أن تحولت إلى حكومة معترف بها دولياً ألغت الاتفاقية وعقد اتفاقا آخر في مدينة لوزان في عام ١٩٢٣ وسميت معاهدة لوزان السيئة الصيت، وتضمّنت ١٤٣ بنداً ولم يشر أي بند فيها على أن صلاحية الاتفاقية واتفاقيات سايكس وبيكو ستنتهي بعد مائة عام سوى بعض الدعايات التي روجت لها الحكومات الأردوغانية المتعاقبة، والتي كانت تدَّعي بسيطرة تركيا الجمركية على المعابر الدولية في تركيا وسيكون من حق تركيا التنقيب عن النفط في أراضيها، ولكن حرمان الاتفاقية لتركيا من حق التنقيب عار عن الصحة، وستبقى جميع اتفاقيات القرن الماضي سارية المفعول مالم يحدث تغيرات على أرض الواقع أو تغيّرات في طبيعة الأنظمة والمصالح الدولية والتحالفات التي ترافقها والذي زاد في عمر هذه الاتفاقيات هي الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي. بعد الانتهاء من الحرب العالمية الثانية ظهرت إمبرياليات جديدة قوية ومنافسة للقديمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والتي لم تساهم في وضع هذه الاتفاقيات والخرائط الجغرافية الحالية، حيث لم تكن في المقام الذي يؤهلها للعب هذا الدور في فترة بين الحربين العالميتين فبقيت البصمات إنكليزية وفرنسية، وهي على الأغلب خرائط نفطية تخدم مصالح الدول المستعمرة بغض النظر عن حقوق الشعوب أو طبيعة الأعراق والإثنيات، لا بل فرضت ثقافاتها على جميع شعوب المستعمرات وكأنها جزء من شعوبها».

يتابع ملكي: «انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية وسقوط جدار برلين في تسعينيات القرن الماضي غيّر الوضع العالمي، وتحول إلى نظام القطبية الواحدة بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية أدت إلى ظهور أفكار جديدة مثل نظريات حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب وبناء نظام عالمي جديد عماده الديمقراطية والمساواة وصولاً إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي. بدأت عيوب النظام الرأسمالي بالظهور حيث لم يستطع مبدأ الربح الوقوف في وجه الاقتصاديات الأسيوية الصاعدة، فتلجأ أغلب الدول الرأسمالية إلى استخدام القوة للحفاظ على مصالحها لتبدأ دورة الزمن من جديد بتحول أغلب الدول الرأسمالية إلى النظام الإمبريالي للحفاظ على ديمومة استمرارها واستقرارها الاقتصادي والسياسي، وهذا التحول بالتأكيد ستغير خرائط المنطقة وليس انقضاء مائة عام على اتفاقيات لوزان وسايكس -بيكو». يضيف ملكي: «النظام العالمي الجديد له صبغة أمريكية، حيث تكافح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوربيين باستمرار السيطرة على زعامة العالم في مواجهة الاقتصاديات الأسيوية الصاعدة وخاصة الصين التي أصبحت المنافس الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية. سيتولد عن هذا حرب باردة جديدة بين الدول الرأسمالية بزعامة أمريكا والشرق بزعامة الصين، وستتنافس الكتلتين على مناطق النفوذ في جميع أنحاء العالم، وستكون أرضية هذا التنافس التناقضات الإثنية والعرقية التي بقيت دون حلول في الألفية المنصرمة. النفط لم يعد يملك بريقه في عهد التطورات المناخية وارتفاع حرارة الأرض. فجميع الدول الأوربية تلجأ اليوم إلى استبدال مصادر الطاقة التقليدية بمصادر الطاقة النظيفة، فعلى سبيل المثال سخرت الحكومة الألمانية 100مليار يورو لإنشاء مفاعل اندماجي نووي تحت اسم “فيدل شتاين 7x” والتفاعلات التي تحدث فيه كالتي تحدث في الشمس، وبالفعل احتفلت في سنة 2016 وبحضور المستشارة إنجيلا ميركل على إنتاج بلازما الهيدرجين، ودامت نصف دقيقة تقريباً حيث أن 1غرام هيدرجين أنتجت طاقة وصلت درجة حرارتها إلى 100،000،000 درجة مئوية.

يردف ملكي: «انه لا شك سيكون هدف جميع الدول المنتجة هي البحث عن أسواق لتصريف منتجاتها وستكون المنافسة شديدة عندما يكون هناك دساتير اقتصادية وجمركية موحّدة، ويكون الخاسر الأول المنظومة الرأسمالية التي تعتمد على الجودة والربح الكثير، وبذلك تلجأ جميع الدول الصناعية إلى البحث عن أسواق خاصة بها في البلدان النامية والزراعية، وبذلك ستكون صراع الدول على الأسواق الأسيوية والإفريقية وأسواق الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. فالصين القوية والمنافسة تشكل حلفاً يضم الصين وكوريا الشمالية وروسيا والهند ودول الخليج العربي وباكستان وإيران، وتنبأ بهذا الحلف ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر حتى إنه سمى روسيا بظل الصين. وكذلك الروس يفكرون بامبراطورية أوراسيا وهي سيطرة روسيا على كل أوروبا وأسيا، وكذلك أمريكا قامت بإنشاء حلف قوي من الدول ذات الأصول الإنكليزية (إنكلترة، أمريكا، كندا، أستراليا)، كما تفكر أوروبا بإنشاء جيش أوربي موحد. تحاول الصين كثاني اقتصاد عالمي إحياء طريق الحرير عبر شبكة اقتصادية تضم الدول التي تقع على الطريق، وخصصت لهذا المشروع مئات المليارات من الدولارات، واستملكت العديد من الموانئ في أسيا وأوروبا. هذا الصراع الحامي الوطيس يظهر معالمه بشكل واضح، وسيتولد مما لا شك فيه مناطق نفوذ كمرحلة أولى وصولاً إلى وضع خرائط جديدة تحمل صبغة الإمبرياليات الصاعدة. الشرق الأوسط يقع على صفيح ساخن حيث تتصارع عليه جميع الدول فهو يقع على طريق الحرير ويربط الشرق بالغرب، واستطاع الصين جذب الكثير من الدول في هذا المحور إلى صفّها مثل باكستان وإيران والعراق وسوريا ودول الخليج العربي، ووقعت العديد من هذه الدول على خطة الطريق واستلمت قروض من الصين.

يشير ملكي: «إن كُردستان تتوسط الشرق الأوسط، وسوف تحظى باهتمام كبير من الإدارة الأمريكية وأوروبا، والرؤية أصبحت واضحة من خلال تواجد قوات التحالف في كُردستان الجنوبية والغربية، وسوف تتوجّه شرقاً مع ازدياد الصراع في إيران وزيادة الضغط على الشعب الكُردي هناك. إن قضية الشعب الكُردي المحروم من حقوقه القومية يقع في مقدمة أولويات الإدارة الأمريكية وأوروبا لأن جميع الأنظمة الغاصبة لكُردستان مرتبطة مع الصين وروسيا، وهو ما يتعارض مع مصالح الغرب، ولأن جميع الدول التي تحرّرت في الألفية الماضية، ونالت استقلالها لم تأتِ من تضحياتها الذاتية، وإنما حصلت عليها بسبب مصالح الدول ذات الشأن، وكُردستان اليوم تقع في دائرة مصالح الدول الغربية، وهذا ما كان ينقص نضالنا دوماً. نحتاج اليوم لرصّ الصفوف أكثر من أي وقت مضى، ولا ندع مجالاً للأنظمة الغاصبة للتحكم بمصيرنا من جديد، فالظروف الموضوعية الآن مُهيأ وما علينا إلا أن نهيئ الظروف الذاتية، ونحدّد إلى جانب من يجب أن نقف، ونميّز الصديق من العدو، ونؤمن وحدتنا النضالية، ونحدّد أهدافنا بدقة بطريقة حضارية وديمقراطية، ونبحث عن النقاط المشتركة مهما كانت اختلافاتنا كبيرة، فمنطقة شرق الفرات التي هي جزء من جغرافية كُردستان سوريا هي منطقة النفوذ الأمريكي، وتدافع عنها بجدية، ولا تسمح لأية قوة بالمساس بها، وهذا ما كنا نحلم به، والمطلوب هو الانصياع للإرادة الدولية والاستماع لنصائح الحلفاء، وتشكيل إدارة مشتركة من الأطراف الكُردية أولاً، ومن ثم باقي مكوّنات المنطقة لإنشاء إقليم فيدرالي جغرافي يؤمن حقوق جميع مكوناته، ويكون الفيصل فيه التعامل الديمقراطي الحقيقي، لأن هذه الفترة هي مصيرية في حياة الشعب الكُردي في سوريا، فإن لم نستطع إثبات أنفسنا كشعب راقٍ يستحقّ العيش بكرامة إسوة بغيره من الشعوب سنظل أبد الدهر بين الحفر، وإذا انتهى المتصارعون من وضع ترتيباتهم نتخلّف عن دورة الزمن قرناً أخر».

الرهان في تخلص الكُرد من كل ترسبات الماضي والسعي وراء وحدة الموقف

تحدث المحامي، محمود عمر لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «تسعى أمريكا جاهدة – وبعد أن نجحت من التخلُّص من منظومة الدول الاشتراكية في تسعينيات القرن الماضي – لأن تكون القطب الأوحد الذي يتحكّم بمصير العالم ولتحقيق هدفها هذا تجر معظم دول الغرب في فلك سياساتها، وأعينها لا تغيب للحظة عن الصين التي تجد فيها المنافس الأقوى في وجه طموحها، ومن ثم تأتي روسيا وكوريا الشمالية في الدرجة الثانية. وإن ما يشهده العالم وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط من أزمات وحروب وصولاً إلى الحرب الأوكرانية الروسية هي محاولات لتكريس هيمنة أمريكا على العالم، وإن التلويح أن العديد من الاتفاقيات التي قسمت المنطقة بالضد من إرادة شعوبها وبخاصة الشعب الكردي قد مضى عليها ما يقارب المائة عام لم يعد لها قيمة، هي محاولة لخلق وقائع جديدة على الأرض، وتغيير في خرائط العالم السياسية والجغرافية».

يتابع عمر: «مع كل هذه الازمات بدأت شعوب المنطقة تستشعر هذه المتغيرات، وبدأت الدماء تغلي في عروقها وسعياً للتخلُّص من الظلم والاضطهاد الذي لحق بها، قامت العديد من الثورات والانتفاضات في بلدان الشرق الاوسط للتخلص من الديكتاتوريات، التي ظلت جاثمة على ظهور شعوبها لعدة عقود، ونجحت في عدة بلدان، وما زالت النيران مستعرة في العديد من البقاع الأخرى، مما يوحي أن العالم سيشهد المزيد من المتغيرات السياسية والجغرافية وان لم يكن في المدى المنظور، لذلك تبدو معظم دول المنطقة وبخاصة تركيا وإيران متوجّسة لدرجة كبيرة من هذه السياسات».

يشير عمر: «إلى أن الشعوب المضطهدة وبخاصة الشعب الكُردي في بقية أجزاء كُردستان أمام فرصة مؤاتية للتخلص من الظلم والاضطهاد، وتحقيق حلمه في التحرر كبقية شعوب المعمورة، ويبقى الرهان هو في تخلص الكُرد من كل ترسبات الماضي والانتماءات الصغيرة سعيا وراء وحدة المواقف، وتأطير النضال حتى لا تفوتنا الفرصة في انتظار مائة عام أخرى».

الكُرد لن يكونوا بمعزولين عن الصراع بين الأقطاب والمحاور العالمية

تحدّث الكاتب، عبداللطيف موسى لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «في التوصيف الحقيقي للحالة التي ذكرتها إنما تعبير صادق عن الحالة الدولية في رسم استراتيجيات وأيديولوجيات وتهيئة المناخ المناسب لها من أجل تفعيلها على شكل اتفاقيات في تنفيذ مصالحها، برأي تلك المصالح انما ستحدد شكل التحالفات الدولية وتشكيل محاور على شكل اقطاب دولية للتصارع فيما بينها. الامر الذي تجسد من خلال اصطفاف عالمي جديد كما في الازمة الاوكرانية من خلال تشكيل تحالف غربي من الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي وكندا واليابان، وفي المقابل لنشاهد روسيا التي تعيش على امجاد الاتحاد السوفيتي متحدة مع بعض الدول مثل إيران وكوريا الشمالية في تحدي وتجسيد واضح لسياسية الاقطاب الدولية من أجل التصارع على المصالح. كما نشاهد العالم يتجه من أجل تشكيل قطب صيني في مواجهة أمريكا اقتصاديا لتقود تلك الأقطاب والمحاور المتصارعة إلى توقيع اتفاقيات والدخول في تحالفات من أجل التصارع على مصالحها».

يتابع موسى: «في المنظور القريب من الاستحالة رؤية جغرافيات وخرائط جديدة في الشرق الاوسط، ولكن ما يمكن التنبؤ به هو التغير في المزاج العالم إلى الحاجة في التغير والانتقال عبر فضاء الجغرافية الواحدة. إن حجم الصراع بين المحاور والاقطاب سيؤدي إلى تشكيل فضاء إيديولوجي عبر القتال ما وراء الأفق أو عن بعد عبر التصارع الإيديولوجي والغزو عبر العولمة في الاستفادة من التقنية العالمية مع توجُّه العالم أن يصبح قرية صغيرة، بل ستسعى الدول المتصارعة إلى إعادة إحياء فكرة الاستعمار الفكري، والسيطرة على العقول، وفرض الإرادة وكسرها، ومحاولة احلال وانصهار البوتقة القومية إلى تشكيل بوتقة أوسع على شكل التواصل الفكري أو الربط الثقافي من خلال صراع الحرب في أوكرانيا بغض النظر عن الدعم العسكري من الكثير من الدول، ولكن يمكن رؤية اجماع دولي وفكري وثقافي عن عدالة قضية الشعب الأوكراني، وكذلك إيران من خلال مشروعها الطائفي استطاعت تشكيل فضاء فكري أيديولوجي مذهبي يخدم مصالحها، تستخدمه وتضعه في خدمة مصالحها وصراعتها مع الكثير من الدول».

يضيف موسى: «بحكم الجغرافيا الكُردية، الكُردي لن يكونوا بمعزل عن تلك التوجهات الجديدة من خلال عوامل عديدة أهمها الامتداد الجغرافي والتخالط التجاري، والاستفادة من التكنولوجيا ووسائل التواصل، وغزو العولمة والأفكار، وصراع كسر الإرادة في معركة الوجود أو اللاوجود. الكُرد لن يكونوا بمعزولين عن الصراع بين الأقطاب والمحاور العالمية التي تحاول إعادة تهيئة المناخ الملائم لها في تنفيذ أجنداتها في المنطقة، والصراع القديم الجديد الإيراني التركي بالتأكيد سيكون ذات تأثير على الكُرد، وكذلك الصراع الإيراني الغربي والأمريكي الروسي بحكم استغلال الطاقة في كردستان».

يؤكد موسى: «بالقول على توصيف الرئيس مسعود البارزاني للحالة في قوله بأنه الصراع تغير من صراع بالسلاح التقليدي إلى صراع أفكار، أي أن العدو سيحاول بكل جهود كسر إرادة الشعب الكُردي، لذا كُردستان سورية تواجه صراع الوجود في البقاء يتوجب على الكُرد استخدام كافة الوسائل للحفاظ على الهوية الكُردية، وتعزيز الانتماء القومي، والوحدة الصف الداخلي، وتنمية الشعور بالمحبة والتعايش السلمي، واعطاء الصحيح للصورة عن القضية الكُردية ووجوده في كُردستان سورية وعدالة قضيتهم لكل المهتمين بها، والاستفادة من التكنولوجيا والتنبه والحذر من الأيديولوجيات المستوردة التي لا تناسب واقع الحالة الكُردية ومحاربتها للحفاظ على الهوية القومية الاصيلة في كُردستان سورية، والاستفادة من المرجعية القومية الرئيس مسعود البارزاني».

أخيراً..

المنطقة مُتّجهة نحو مستقبل جديد مغاير لِما كانت في الماضي، والجميع منهمك في ترتيباته لوضع موطئ قدم له في ذاك المستقبل، لذا وعلى ما نحن عليه لن نحقق شيئاً، وهنا المطلوب من الكُرد البدء بترتيباته ومعرفة أين تكمن مصلحته وربطها بمصالح الدول الكبرى والتهيؤ للمستقبل؟! وإلا سيكون مصير الكُرد كما كان في الماضي.

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.