المجلس الوطني الكوردي في سوريا

عبدالرحمن كلو…أحجار رحى المنظومة الإقليمية للمؤامرة ومحاولات الدوران …..!

53

 

الإجتماع الثلاثي بين وزراء خارجية تركيا والعراق وإيران في 19من الشهر الحالي في نيويورك، وأيضاً اجتماع مجلس الأمن القومي التركي إلى زيارة رئيس أركان الجيش العراقي لتركيا والاجتماع  برئيس أركان الجيش التركي  إلى اغلاق الأجواء الايرانية والتصريحات والمطالبات العراقية التهديدية والاستفزازية، هذا المشهد الدرامي المتسارع أعاد إلى الأذهان المشهد التقليدي للعقود الأخيرة من القرن العشرين  والاجتماعات الرباعية بين الدول الأربعة التي تقتسم كوردستان  ( سوريا ، العراق ، تركيا، إيران ) وطيفه يوحى وكأن التاريخ يعيد نفسه مع أننا ندرك تماماً أن القراءة الجديدة بجب أن تكون بلغة القرن الواحد والعشرين وفي الزمن الأمريكي، لكن يبدو أن هذه الدول لم تتجاوز بعد الذهنية النمطية للثقافة الشمولية للقرن العشرين، رغم أنها تدرك تماماً أن المعادلات الدولية والإقليمية  قد تغيرت ، والحرب على الإرهاب غيرت الكثير من معطيات وقائع الأحداث وقوانين سيرورتها.

نعم إيران عبرت الكثير من الحدود وتمددت في العراق إلى حد السطو الكامل على حساب المؤسسات الرسمية للدولة ودخلت سوريا واليمن وقبلها في لبنان وفي الخليج  لتسويق مشروعها الطائفي العقائدي متجاوزة كل ما كانت تسمى بالسيادات الوطنية، وتركيا تمددت في الشمال السوري مع  أحلامها السلطانية في العثور على بعض من بقايا  امبراطوريتها الضائعة، و الطرفين حاولا ويحاولان استثمار مناخات الحرب على الإرهاب في إعادة إنتاج الثقافة الكولونيالية  للقرن الماضي، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست بغافلة من طموح تلك الدولتين الحالمتين بل وتدير حالة الفوضى في الشرق الأوسط عموماً بإتقان في إطار تطبيقات نظرية الفوضى الخلاقة ، بالاضافة إلى تصحيح ما أفسدته إدارة أوباما في المنطقة التي أضعفت من الدور الأمريكي لحساب الدور الإيراني في كل من العراق وسوريا ، فالإدارة الجديدة أعادت العمل بالماكنة الجمهورية على نحو متسارع للتعويض  وتصحيح المسار بما يتوافق مع مصالح أمنها القومي في مرحلة الحرب على الإرهاب، لذا فالمعادلة الإقليمية للشرق الأوسط  باتت خارج السطوة الأمنية للدول التي تقتسم كوردستان ،  بل وأزادت في تحجيم المفاعيل السياسية لهذه الدول التي كانت تعمل معاً كمنظومة أمنية عسكرية استخباراتية ضد العدو المشترك المتمثل بالكورد وحركته التحررية ، لأن المعادلة أخذت مناحي أخرى تماماً ، فتركيا دخلت في شراكة اقتصادية وتجارية مع جنوب كوردستان قدر التبادل التجاري بين الطرفين بنحو 12  مليار دولار سنوياً بالاضافة إلى أنها مساهمة مع أكبر شركات النفط العالمية مثل اكسون موبيل  وروزنفت  لنقل الغاز إلى أوروبا عبر تركيا، وهناك عقود مع شركة الطاقة التركية للتنقيب في 13 منطقة وتشمل هذه العقود انشاء انبوب نفطي آخر ليرفع من حجم صادرات الإقليم من 300 ألف إلى مليون متر مكعب يومياً ، إلى جانب 1300 شركة تركية عاملة في كوردستان، أما في الجانب السياسي وربما لا يقل أهمية من الجانب الاقتصادي وهو أن العلاقات التركية الكوردستانية كانت بالأصل قد تأسست على  قاعدة مواجهة التمدد الإيراني في العراق وتناسبت هذه العلاقة طرداً مع ازدياد النفوذ الطائفي الشيعي على حساب النفوذ التركي العرقي بحسب الرؤية التركية. حتى وصل الخلاف إلى درجة القطيعة شبه الكاملة بين الطرفين.

فأردوغان في موقع سياسي لا يحسد عليه على الصعيد الخارجي إذ خسر الكثير من أوراقه  مقابل تصفية خصومه في معركة الداخل مع العسكر حيث سلم معظم أوراقه إلى روسيا على حساب الدم السوري في حلب وإدلب  ومقابل العمال الكوردستاني وحركة فتح الله كولين، وفي كل يوم كان له خط أحمر وفي النهاية تحولت كل خطوطه إلى رمادية مع الروس والنظام السوري، وفي موقفه من الاستفتاء واستقلال كوردستان يحاول أن يجمع بين الموروث الفاشي لدولة أتاتورك القومية وبين أحلام السلطان العثماني تحت عنوان الاسلام الوسطي بنكهة طائفية وذلك باتباع سياسة كولونيالية ناعمة للجوار التركي والقفز من فوق القضية القومية الكوردية في تركيا ليدافع عن التركمان في شمال سوريا وكركوك كمسألة أمن قومي تركي، هذه المتناقضات لا يمكن لها أن تسير في سياق واحد، فأصنام أتاتورك مازالت تحكم تركيا ولم تتجرأ دولة العدالة والتنمية بعد التخلص من إرهاب الفكر القومي الطوراني بل وما زالت تساير الموروث الثقافي الفاشي للشارع التركي الذي لم تفارقه الأفكار المريضة لمؤسسي دولتهم القومية، ومهما حاول الطرفان التركي والايراني الاتفاق أو التوافق على الحالة الكوردية في جنوبي كوردستان يبقى الاختلاف العقائدي المذهبي التاريخي قائماً بين الطرفين وستبقى البيئة التاريخية للخلاف كفيلة بأن تكون مناخات عدم الثقة حاضرة في كل اتفاق، والساحة السورية لوحدها كافية لأن يكونا على طرفي نقيض خاصة وان الساحتين السورية والعراقية هي ساحة واحدة من حيث أطراف الصراع والبعدين الإقليمي والدولي.

هذا وفي الجهة الأخرى إيران لها تبادل تجاري سنوي مع كوردستان  بقيمة 5 مليار دولار وهي تفكر جدياً أن تسحب البساط من تحت أقدام السلطان وتكسب قيمة ال 12 مليار وتحل محلها تجارياً وترفع من قيمة تبادلها التجاري إلى مستويات قريبة من ال 17 مليار على حساب تركيا وذلك من خلال توريطها في حرب مع كوردستان بمساعدة من العمال الكوردستاني و في محاولة لها بهذا الاتجاه زار وفد إيراني رفيع المستوى جبال قنديل في 19 من أيلول الحالي للاجتماع بقيادات الـ PKK ضم الوفد قائد القوات البرية العميد باكبور برفقة بعض ضباط الاستخبارات ( اطلاعات ) للتوسط بين أردوغان والعمال الكوردستاني ليقوم هذا الحزب بهام خاصة ونوعية ضد الإقليم إلا أن تركيا التي تعتبر هذا الحزب من حلفاء العسكر الذي فشل في انقلاب 15 تموز 2016 فلن تقبل به ولن تثق بعدو الأمس إلا إذا قدم خدمات مجانية كبادرة حسن نية وبعدها ستفكر في أن تتعاطى مع الـ PKK  وتمنحه شهادة حسن سلوك مؤقتة تحت الاختبار، والمبادرة الايرانية  تلخصت في  تكليف الـ PKK بالتصعيد العسكري ضد تركيا من خلال إقليم كوردستان حدود كوردستان على غرار اللعبة والمسرحيات التقليدية مع المؤسسة العسكرية السابقة لتوفير أسباب تدخل عسكري تركي إلى إقليم كوردستان بحجة مكافحة الإرهاب، لكن التداخل الأمني مع السياسي مع العسكري مع تقاطع أجندات الساحتين السورية والعراقية معقدة جداً وليس من السهولة بمكان أن يستطيع أي طرف إقليمي لوحده أو مجتمعين على تحدي مستجدات حالة الصراع وتداعياتها الدولية، فلا هذه ولا تلك تتماشى مع مرحلة الزمن الأمريكي في الشرق الأوسط ومعطيات معادلته الجديدة، والتي تتمثل في ظهور كوردستان كقوة جغرافية سياسية داعمة للمشروع  الأمريكي مع أفول وغياب دولتين من منظومة الدول الأربعة تلك، ففعلياً دولتا العراق وسوريا  أصبحتا في حكم الماضي ولم يبق في حلبة المواجهة مع الكورد سوى إيران وتركيا، والتصعيد الثلاثي الحالي ليس سوى محاولات إيرانية تركية والجانب العراقي الحقيقي مغيب تماماً  فقط هي إيران التي تحرك مفاصل الدولة العراقية الشكلية،  وهذا ما يتناقض تماماً مع السياسة الأمريكية تجاه إيران على الأقل، إذ من إحدى استراتيجيات الأمن القومي الأمريكي تقليص النفوذ الايراني في المنطقة والإدارة الأمريكية وضعت هذه الاستراتيجية قيد التنفيذ من خلال  قطع الممر البري الايراني الذي خططت له طهران منذ أكثر من عشرة أعوام وأرادت تنفيذه من خلال الميليشيات الشيعية في الطرف العراقي والعمال الكوردستاني في الطرف السوري وهي لن تتردد في تحجيم دور إيران ولن تسمح بأي اتفاق على حساب مشروعها الشرق أوسطي  ومن السذاجة التفكير بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستسمح بتقدم إيراني على حساب حليفتها كوردستان التي تمثل حصيلة مكاسبها في العراق بعد 2003 .

لذا من المفيد التفكير بطريقة أخرى خارج سياقات منظومة التحالفات التقليدية للقرن الماضي، وبعد أن أصبحت كوردستان بموقعها الجيوسياسي حاضرة وبقوة في محاربة الإرهاب كونها الشريكة الفعلية للولايات المتحدة الأمريكية وقوى التحالف الدولي فأحجار رحى المنظومة الرباعية  التي تحاول الدوران في الزمن الأمريكي باتت عرجاء وخرجت من الخدمة، ولم تعد صالحة للعمل ولا يمكنها الدوران حتى إذا حاولت الطيران.

 

التعليقات مغلقة.