المجلس الوطني الكوردي في سوريا

دوران ملكي…استقلال كوردستان بين الحقيقة والواقع

97

تأسست الدولة العراقية الحديثة بعد انهيار السلطة والدولة العراقية في عهد النظام البائد إثر غزو دول الحلفاء للعراق, وتم وضع دستور جديد للبلاد عبر استفتاء شعبي تحول بموجبه العراق إلى دولة اتحادية يمتع فيها إقليم كوردستان بحقوق كاملة من رئيس إلى رئيس حكومة إلى جيش من البشمركه كجزء من الجيش العراقي ونسبه من الاقتصاد الوطني, وتم الاتفاق على حل وضع المناطق المتنازعة عليها عبر بند دستوري واضح وصريح يتم بموجبه إزالة المشاريع العنصرية التي وضعت في عهد النظام البائد وإجراء إحصاء سكاني ومن ثم الاستفتاء, وانتقلت بموجب الدستور العصمة الى يد الإقليم ويعتبر هذا الإنجاز العظيم العمود الفقري الذي يرتكز عليه استقلال كوردستان.

بني العراق رغم التدخلات الإقليمية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ودخول تنظيم القاعدة إلى العراق ودعم حركات التمرد التي كان يقف وراءها بقايا النظام البائد ودول الجوار بحجة مواجهة القوات الأمريكية والقوات العراقية الفتية, واستطاعت الأخيرة من دحر حركات التمرد واستطاعت بناء مؤسسات الدولة وزادها ازدهاراً إقليم كوردستان بسبب الأوضاع الأمنية المستقرة متحولة الى قبله للاستثمارات الأجنبية والشرق أوسطيه وأصبحت نموذجاً يحتذى به في المنطقة مما زاد من مخاوف الدول الغاصبة لكوردستان من أن يحذو حذوها الكورد في تلك الدول مما دفعهم إلى فرض الضغوط على الإقليم بشتى السبل من التدخل في الشؤون الداخلية إلى محاولات نقل الإرهاب إلى جبال كوردستان وتحريض الأقليتين العربية والتركمانية المتواجدة في المناطق المتنازعة عليها على عدم الاندماج في المجتمع الكوردستاني, بالإضافة إلى التهديدات المتكررة بمهاجمة الإقليم عسكرياً وتطورت الأوضاع أكثر بنجاح الديمقراطيين في الانتخابات  الأمريكية وانسحاب القوات الأمريكية من العراق, مما نتج عنه زيادة النفوذ الإيراني في العراق بشكل واضح وتحولت القيادة العراقية من صانع للقرار إلى منفذ للأوامر, مما دفعت بالقيادة التركية إلى فتح علاقات دبلوماسية مع إقليم كوردستان من منطلق الحفاظ على مصالحه في الإقليم والعراق, نتج عنها فتح القنصلية التركية في أربيل وتهدئة الخلاف الكوردي- التركماني وتشغيل أنبوب النفط الكوردي إلى ميناء جيهان التركية إثر خلاف بين المركز والإقليم على قانون النفط والغاز, مما زاد من تطور الخلاف حتى وصل الحد إلى قطع رواتب موظفي إقليم كوردستان من قبل الحكومة المركزية ولم يتم تسليح البيشمركة كجزء من الجيش العراقي, وتنصلت عن جميع التزاماتها ولم يتم تطبيق الدستور العراقي بشأن المناطق المتنازعة عليها, ومحاولة تقزيم الإقليم وحصره بالمحافظات الثلاث ومكبلاً بالضغوط الاقتصادية, ومن ثم ساهمت بتوجيه الإرهاب الداعشي نحو إقليم كوردستان إنطلاقاً من المناطق المتنازعة عليها بتسليم مدينة الموصل إلى تنظيم الدولة الإرهابي بانسحاب الجيش العراقي منها وتاركاً وراءه عتاداً ضخماً ومتطوراً ليستحوذ عليها تنظيم الدولة ويهجم على إقليم كوردستان من عدة محاور, دفع الإقليم الغالي والنفيس في صدهم فلولا بسالة البيشمركة وتدخل التحالف الدولي لتحول إقليم كوردستان إلى أثر بعد عين, ولم تتدخل الحكومة المركزية في الدفاع عن الإقليم ويعتبر هذا التصرف من الحكومة المركزية من أهم ركائز استقلال كوردستان

أسقطت أسطورة داعش على يد البيشمركة الأبطال وتم تحرير المناطق التي سيطر عليها تنظيم الدولة وضمت عسكرياً إلى إقليم كوردستان واستحوذت قوات البيشمركة على الدعم العالمي وتحولت إلى شريك حقيقي في المنظومة العالمية لمحاربة الإرهاب واكتسبت السمعة العالمية ,ويعتبر أيضاً من الدعائم الأساسية في استقلال كردستان

إن التوجه العلماني السائد في المجتمع الكوردي وإرادة الشعب الطامح إلى الديمقراطية والمدنية وبناء دولة القانون بالتوازي مع من يعادي استقلال كوردستان وتوجهاتهم الدينية الاستغلالية بغية السيطرة واسترجاع الماضي وإحياء إمبراطوراتهم وإحياء العصبية الدينية, ولم يثبتوا جديتهم في مواجهة الإرهاب عسكرياً واقتصادياً بل بالعكس تماماً سعوا إلى فتح قنوات سرية اقتصادية زاد من ديمومة الإرهاب ويعتبر هذا أحد ركائز الاستقلال.

الوقائع تشير إلى عدم ارتياح لدى الإدارة الأمريكية والمملكة المتحدة من موضوع الاستفتاء بحجة أنه سابق لأوانه ويؤثر على الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية, ويبنون هذا الرأي انطلاقاً من مصالحهم وهم لا يتدخلون في القرارات المصيرية للشعوب ويتركون لها الخيار, وإني أتذكر اجتماع المعارضة العراقية في صلاح الدين وحضور ممثل الولايات المتحدة الامريكية «زلماي خليل زاد» كانت جميع المعارضة تقول نريد عراقاً فيدرالياً, هو قال نريد عراقاً ديمقراطياً وتبين فيما بعد موقفهم المؤيد

لا يوجد عند الغرب وصفات سحرية جاهزة لحل المشاكل وأصبحت سياستهم تعتمد على مبدأ ركوب الموجه, فإذا حدث الاستفتاء بنجاح عندها الواقع يفرض نفسه, وأن استمرار الحوار مع الحكومة المركزية قبل وبعد الاستفتاء لربما يتم الاتفاق ولو أنها مستبعدة بسب التدخل الإيراني في القرار العراقي ومحاولات وقف الاستفتاء بشتى الوسائل إلا أنه لا يخلو الأمر من أيادي نقية في الحكومة المركزية, بعكس المليشيات من الحشد الشعبي وغيرها وتهديداتهم المتكررة بالحرب بحجة ضم كركوك إلى عملية الاستفتاء بقرار من حكومتها المحلية, ولكن من يتخذ قرار الحرب سوف يتحمل المسؤولية التاريخية عن آلاف الضحايا من الطرفين وستكون بيشمركة كوردستان التي حطمت أسطورة داعش لها بالمرصاد ولن يحظى حربهم المزعومة على دعم مكونات العراق الأخرى, إن التماطل من طرف الحكومة المركزية وعدم الاتفاق سيفتح عليه باب سنة العراق الذين لم ينسوا حجم الدمار والتشرد الذي لحق بالمجتمع السني في العراق وإيواء كوردستان لإخوتهم من وراء المخططات الإيرانية, وهي ما تهدد وحدة العراق بالكامل وما لا ترغبه ايران لأنها تبحث عن معابر برية لهلالها الشيعي, المهم بالنسبة لايران بقاء داعش في العراق وما الموجات العكسية التي يقوم بها حزب الله والنظام السوري من نقل داعش من أطراف دمشق إلى الحدود العراقية إلا جزء من هذا السيناريو.

إن تزايد ضغوط دول جوار إقليم كوردستان وموقفها الرافض بحجة وحدة العراق وخوفهم من أن يحذو حذوها كورد تركيا وايران, هذه المواقف تتباين جديتها بين الحين والأخر, لأن تركيا لا تستطيع التضحية بأسواق العراق والإقليم في ظروف تردي الاقتصاد التركي بعد مقاطعة أوربا له وخسارتها لأغلب أسواقه في شمال افريقيا والخليج إثر الربيع العربي والأزمة الخليجية القطرية, وكذلك الوضع الداخلي والمعارضة القوية التي يواجهها الرئيس التركي بعد التعديلات الدستورية, ولا يقل عنها وضع جارتها الايرانية من تزايد الضغوط الأمريكية عليها وتهديدها بالرجوع إلى المربع الأول من الحصار الاقتصادي والسياسي لا يؤهلها لفرض الحصار الاقتصادي والتضحية بالإقليم إلى اللانهاية بسبب موقعه الجغرافي الهام,  وظهور النشاط المسلح لحزب الديمقراطي الكردستاني- ايران, واستهدافه لمواقع الحرس الثوري الإيراني.

الوضع حساس والكل يتعامل بحذر والموقف الحازم من القيادة الكوردستانية وضع الجميع في خانة اليك, ولم يبقى لهم سوى التهديد والوعيد على ضرب الوحدة الوطنية في الداخل, فعلى القيادة الكردستانية أخذ الحيطة والحذر وإجراء الاستفتاء تحت رقابة دولية وإشراك الاتحاد الأوربي وقنصليات دول العالم كمراقبين لعملية الاستفتاء وإبداء المرونة والشفافية في سير العملية الانتخابية وتقوية الجبهة الداخلية قدر المستطاع لمواجهة التدخلات الإيرانية وتشكيله لحلف كوردي لقول ((لا)) لعملية الاستفتاء.

وسيبقى محاولة لملمة الصف الكردي ولو بشيء من التضحيات بمثابة سحب البساط من تحت أقدام المتربصين وإغلاق جميع الثغرات في وجه التدخلات الخارجية.

دوران ملكي …كاتب كوردي 

التعليقات مغلقة.