المجلس الوطني الكوردي في سوريا

الدكتور محمود عباس: القضية السورية و الاستفتاء الكوردستاني .

49

رغم جهود الكورد على تقليص هيمنة الإرهاب الداعشي، وتضحياتهم، يتهمون بأنهم يتقصدون تعكير الصفوة التي بدأت بوادرها تظهر على الساحة السورية، وبأنهم ألهبوا الفوضى المنظمة في العراق من جديد، وبأنهم يخلقون صراع حديث مبني على الخلافات القومية، وكأن العروبة والأحزاب العروبية القومية والإسلامية والطورانية والمرجعيات الفارسية وليدة اللحظة! ومثلما يعلم الجميع أن الصراع الشيعي –السني لا يزال في ذروته، وشعوب المنطقة لاتزال تعيش على مخلفات تاريخ الصراع الأموي-العباسي، أو الصفوي –العثماني.

على خلفية هذه التهم المخططة بدأت السلطات الإقليمية وخاصة المحتلة لكوردستان، تعيد النظر في جدول علاقاتها السياسية – الاقتصادية بعكس الطرق المفروضة من قبل أمريكا وروسيا، وبالمقابل ولامتصاص موجة التحريض هذه، تتالت كلمات الاعتراض على الاستفتاء من قبل بعض الإدارات الأمريكية الأوروبية المتضررة بعكس روسيا، وبما أن جيوسياسية كوردستان كانت حاضرة في جدول مخططاتهم الاستراتيجية حول الشرق الأوسط، لم تظهر تصريحات على سوية البيت الأبيض أو الكرملين، ولا من مراكز القرار الأوروبية العليا، والصادرة منها لم تتجاوز جغرافية التحذير، والعتاب، وكل ما تم نشره كانت من هيئات الدرجة الثانية وأدنى، جلها لامتصاص حقد السلطات المتضررة من عملية استقلال جنوب كوردستان وتوجه جنوب غربه نحو الفيدرالية.
إثارة هاتين القضيتين من قبل رؤساء السلطات المحتلة لكوردستان ومرجعياتهم الدينية، الشيعية والسنية، كالأزهر، والسيستاني وغيرهما، على الساحة الإعلامية، أكثر من حجمها الطبيعي، لسببين:
الأول، بعيد المدى، وهي الرهبة بما ستؤول إليه جغرافية الدول الإقليمية مستقبلاً، وفي مقدمتها المحتلة لكوردستان.
والثانية، قريبة، وكان في معظمه مخطط للتغطية بشكل غير مباشر على النفاق الجاري ضمن مؤتمرات أستانة وجنيف. فتحت غطاء هذه الضجة الإعلامية حول القضيتين الكوردستانيتين، يحاولون التعتيم على نتائج مؤتمراتهم المخفية بعد إبراز الوهمية منها ببيانات خلبيه، ولتمرر خلفها المؤامرة المتفقة عليها تركيا وإيران تحت الخيمة الروسية.
بعد الخروج من قاعات المؤتمرين الأخيرين في أستانة مباشرة فضحت غاية تركيا، وذلك بسبب إصرارها على أن تكون طرف رئيس في مراقبة منطقة خفض التصعيد (إدلب) تحديداً، الموقع الجغرافي الأهم بالنسبة لطموحات أردوغان، خاصة بعدما أفشل الاستفتاء الكوردستاني مخططه في الاستيلاء على لواء الموصل. والمطلب ليست سوى خطة عسكرية-سياسية استباقية لمنع بلوغ قوات سوريا الديمقراطية أو التي ستشكل فيدرالية شمال سوريا، إلى البحر الأبيض المتوسط، وبما أن العملية ستجري تحت قبول ومراقبة القوات الروسية، تستمر الدبلوماسية التركية بالتنازلات المتتالية لروسيا، إلى أن بلغت بها عقد أكبر صفقة أسلحة، ولا يخفى بأن لروسيا طموحات في هذه العملية لذلك فضلتها على إيران، ومدتها بصواريخ س 400 في الوقت التي حصلت إيران على س 300، على أمل عزلها عن حلف الناتو. ومن جهة أخرى، وماذا ستحصل عليه إيران وسلطة بشار الأسد بالمقابل، يؤكد معظم المراقبين السياسيين بأن أردوغان أتفق مع إيران، وساهم على تجميع المنظمات الإرهابية والوطنية ضمن منطقة إدلب، ومن ضمنها عشرة آلاف من عناصر هيئة تحرير الشام الذين تم نقلهم من الحدود اللبنانية، وستقطع عنهم وبالتدرج كل أنواع الدعم، كما وأسندت الخطة بإعادة المهاجرين وبأعداد غفيرة إلى المنطقة ذاتها(إدلب)، وهذه العملية الأخيرة تفرض علينا طرح السؤال التالي على البشرية عامة وعلى المعارضة العروبية السورية التكفيرية، والدول العربية الإسلامية:
1- ماذا سيكون رد فعل العالمين العربي والإسلامي، لو قامت حكومة إقليم كوردستان بإعادة المهاجرين والمهجرين العرب إلى مناطقهم مثلما تفعلها تركيا اليوم مع المهاجرين السوريين وهي ترحلهم إلى منطقة إدلب، أو منطقة عدم التصعيد؟
2- ماذا سيكون رد فعلهم لو قامت القوات الكوردية في سوريا بإعادة الغمريين إلى مناطقهم في محافظة الرقة والتي تم تحريرها من قبل قوات سوريا الديمقراطية، أو قاموا بإعادة المهاجرين من مدن الداخل السوري؟!
3- أو قامت قوات سوريا الديمقراطية بتسليم المدنيين السوريين إلى هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، المنظمة المدرجة ضمن قائمة الإرهابيين، والتي تحاربها روسيا وأمريكا؟
4- أو تقوم بإرسالهم إلى أتون القتل والدمار، مثلما تفعلها تركيا، لتقصفهم قوات سلطة بشار الأسد والطائرات الروسية؟ عمليا تقوم تركيا الأردوغانية بإرسال المهاجرين السوريين إلى التهلكة، وبتأييد من المعارضة العروبية التكفيرية السورية، وأمام صمت العالم وخاصة العربي والإسلامي، في الوقت الذي هي ومنظماتها ومرجعياتها المذهبية تندد بمطالب الكورد في حق تقرير المصير، ويحاربون الاستفتاء الذي حصل على أغلبية شعبية ساحقة، وبالمقابل يسكتون على المؤامرة التركية -الإيرانية وسلطة بشار الأسد وحكومة العراق الشيعية، بحق الشعب السوري.
ويوجد سببين رئيسيين لهذا التهجير العكسي للمهاجرين السوريين إلى منطقة تعيش المعاناة حتى الموت، فلا سكن ولا غذاء ولا حماية من الصراع بين المنظمات العسكرية المتقاتلة، وهما:
أولا، لتزيد من عبئ المنظمات العسكرية المعارضة، ومنها النصرة، وحينها ستضطر إلى طلب المساعدة، والدولة الأقرب، والمجهزة ذاتها للتدخل هي تركيا، خاصة وأن أمريكا خارج المنطقة وهي ليست مركز ثقة بالنسبة للمنظمات المسلحة السورية السنية، وروسيا مندرجة في خانة الأعداء، وعلينا أن لا ننسى هنا أن تركيا ستكون أمام خيارين: إما القتال إلى جانب روسيا وسلطة بشار الأسد ضد المعارضة السورية المسلحة تحت اسم محاربة هيئة تحرير الشام(النصرة) أو أنها ستعيد تجربة الباب مع داعش، وتأمر النصرة بالتخلي عن سلاحها، والانضمام إلى القوات المسماة بالجيش الحر، وتكون تحت خدمة القوات التركية، وستساهم بشكل مباشر في ضم منطقة إدلب إلى ولاية هاتاي التركية(اسكندرونه) وستحاول مثلها مع عفرين، وهذه ستقودهم إلى الحالة الثانية، وهي الغاية…
يتبع…
المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع 

التعليقات مغلقة.